للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واختلفوا في جواز فسخ الحج إلى عمرة التمتع لمن كان مُفْرِدًا أو قارنًا لمن لم يَسُق الهَدْي، على ثلاثة أقوال (١):

القول الأول: يُستحب فسخ إحرام الحج إلى عمرة التمتع لمن لم يَسُق الهدي، فإذا فَرَغ من العمرة وحَل منها، أَحْرَم بالحج من مكة، فيصير متمتعًا. وهذا مذهب الحنابلة (٢).

واستدلوا بالسُّنة: فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَدِمَ النَّبِيُّ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً» (٣).

قال ابن عبد البر: تَوَاتَرَتِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فِي حَجَّتِهِ، مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْهُمْ هَدْيٌ وَلَمْ يَسُقْهُ، وَكَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً (٤).

القول الثاني: يجب فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يَسُق الهَدْي؛ لأن الرَّسُولَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي الْعُمْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «اجْعَلُوهَا عُمْرَةً» والأمر للوجوب (٥).

ونوقش بأن هذا الأمر للاستحباب، والقول بالوجوب قول شاذ.

القول الثالث: يَحرم فسخ وتحويلُ النية من الإحرام بالحج إلى العمرة لمن لم يَسُق الهَدْي. وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية (٦).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة والمأثور:

أما الكتاب، فاستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦].

وأما السُّنة، فاستدلوا بعموم قول الرسول : «وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ» (٧) فهذا الحديث يُحَرِّم فسخ وتحويل النية من الإحرام بالحج إلى العمرة.


(١) قال ابن قُدامة: أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ، وَيَجْعَلَهُ عُمْرَةً، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. «المغني» (٥/ ٢٥١).
(٢) «المغني» (٥/ ٢٥١)، و «شرح العمدة» (١/ ٤٥٧)، و «زاد المعاد» (٢/ ١٨٤).
(٣) رواه البخاري (١٥٦٤)، ومسلم (١٢٤٠).
(٤) «التمهيد» (٨/ ٣٥٥، ٣٥٦).
(٥) وهو قول الظاهرية، كما في «المُحَلَّى» لابن حزم (٧/ ٩٩)، و «زاد المعاد» (٢/ ١٧٠).
(٦) «المبسوط» (٤/ ١٨٣)، و «المُنتقَى» (٢/ ٢١٤)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٩٨)، و «الحاوي» (٤/ ٢١).
(٧) أخرجه البخاري (٣١٩)، ومسلم (١٢١١).

<<  <   >  >>