للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: بِأَنَّ مَنِ اسْتَمَرَّ إِهْلَالُهُ بِالْحَجِّ، وَلَمْ يُحَوِّلْهُ إِلَى عُمْرَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ، وَكَانَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِمَّنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ.

الثاني: بما قاله ابن القيم: بِأَنَّ هَذَا الحَدِيثَ غَلِطَ فِيهِ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ، أَوْ أَبُوهُ شُعَيْبٌ، أَوْ جَدُّهُ اللَّيْثُ أَوْ شَيْخُهُ عَقِيلٌ؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مالك ومعمر وَالنَّاسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عروة عَنْهَا، وَبَيَّنُوا أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وَسَعَى أَنْ يَحِلَّ.

وأما المأثور، فَعَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ: فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ، أَوْ جَمَعَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، فلم يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ (١). ونوقش: بأن هذا اللفظ مُعَلّ.

والراجح: استحباب فسخ الحج إلى عمرة التمتع لمن كان مُفْرِدًا أو قارنًا، ولا هَدْي معه؛ لأن رسول الله أَمَر أصحابه عَامَ حَجَّ بِفسخ الحج إلى العُمرة، وقال : «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً».


(١) مدار الحديث على عروة بن الزبير، عن عائشة . واختُلف عليه:
فرواه أبو الأَسْود محمد بن عبد الرحمن عن عروة، باللفظ المذكور. رواه مسلم (١٥٦٢).
لكن خولف أبو الأَسْود فى ذلك، فرواه الثقات كالزُّهْري عن عروة بلفظ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالحَجِّ مَعَ العُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» أخرجه البخاري (١٥٥٦)، ومسلم (١٢١١).
وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ» أخرجه البخاري (١٧٨٣)، ومسلم (١٢١١) واللفظ له.
وقد أَنْكَر أحمد رواية أبي الأسود فقال: أيش في هذا الحديث من العجب؟! هذا خطأ. قال الأثرم: فقلت له: الزُّهْري عن عروة عن عائشة بخلافه؟ قال أحمد: نعم، وهشام.
وقد رواه القاسم عن عائشة قالت: خَرَجْنَا لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ. قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ لِأَصْحَابِهِ: «اجْعَلُوهَا عُمْرَةً» فَأَحَلَّ النَّاسُ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ. رواه مسلم (١٢١١).
وَعَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَا نُرَى إِلَّا الحَجَّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ- أَنْ يَحِلَّ. أخرجه البخاري (٢٩٥٢)، ومسلم (١٢١١).
وقالَ ابن القيم: كُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي «الصَّحِيحِ» وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا رَوَاهُ جَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسٌ، وَأَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ وَأَسْمَاءُ، وَالبَرَاءُ، وَحَفْصَةُ … وَغَيْرُهُمْ. وَفِي اتِّفَاقِ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ كُلَّهُمْ أَنْ يَحِلُّوا، وَأَنْ يَجْعَلُوا الَّذِي قَدِمُوا بِهِ مُتْعَةً، إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ- دَلِيلٌ عَلَى غَلَطِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَوَهْمٍ وَقَعَ فِيهَا. «زاد المعاد» (٢/ ١٨٦).

<<  <   >  >>