للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن التمتع والقِران مشروعان لأهل حرم مكة كغيرهم، إلا أنهم لا هَدْي عليهم، ولا صوم.

واعتُرض عليه بأنه لو كان المراد إسقاط الدم عن أهل مكة، لقال: (ذلك على مَنْ لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) لأن الدم عليهم لا لهم.

وأجيب عنه من وجهين:

الأول: بأن (اللام) بمعنى (عَلَى) كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء: ٧] أي: فعليها. وقولِه تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ [الرعد: ٢٥] أي: عليهم؛ لأن حروف الجر تتناوب (١).

الثاني: ما قاله ابن حزم: إِنَّ الْهَدْيَ أَوِ الصَّوْمَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ- تَعَالَى- فِي التَّمَتُّعِ إنَّمَا هُوَ نُسُكٌ زَائِدٌ وَفَضِيلَةٌ، وَلَيْسَ جَبْرًا لِنَقْصٍ كَمَا ظَنَّ مَنْ لَا يُحَقِّقُ؛ فَهُوَ لَهُمْ لَا عَلَيْهِمْ (٢).

وأما المعقول، فإن ما كان مِنْ النُّسك قُرْبة وطاعة في حق غَيْر المكي، كان قُرْبة وطاعة في حق المكي، كالإفراد (٣).

القول الثاني: أن المكي الذي يريد الحج ممنوع من العمرة في أشهر الحج؛ لأنه ممنوع من التمتع والقِران. وهو مذهب الحنفية، ورواية عن أحمد (٤).

واستدلوا بأن الله تعالى أباح التمتع إلا لمن كان أهله حاضري المسجد الحرام خاصة؛ لقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٦] ومفهوم الآية أن مَنْ كان أهله حاضري المسجد الحرام، فالتمتع والقِران منفيان في حقه، والأصل في النفي أن يكون للوجود، ونَفْي الوجود نفي للصحة، فالتمتع والقِران لا يصحان من أهل الحرم (٥).


(١) «المجموع» (٧/ ١٧٠).
(٢) «المُحَلَّى بالآثار» (٥/ ١٦٠).
(٣) «المجموع» (٧/ ١٦٩).
(٤) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٦٩)، و «الفروع» (٣/ ٣١٤)، و «الإنصاف» (٣/ ٤٤٣).
(٥) «شرح فتح القدير» (٣/ ١٠، ١١).

<<  <   >  >>