للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونوقش بأن الإشارة في الآية (ذلك) ترجع إلى أقرب مذكور، وهو الصوم والهَدْي. وقوله: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ﴾ [البقرة: ١٩٦] هذا عامّ في أهل مكة وغيرهم ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] فالهَدْي يجب على كل متمتع، إلا مَنْ تمتع أو قَرَن من أهل مكة.

واستدلوا بما رُوي عن ابن عباس، أنه سُئِلَ عن متعة الحج، فقال: أَبَاحَ الله مُتْعَةَ الحَجِّ لِلنَّاسِ غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ اللَّهُ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٦] (١).

وقد سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ امْرَأَةٍ: أَتَعْتَمِرُ فِي حَجَّتِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ اللَّهَ جَعَلَهَا رُخْصَةً لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (٢).

والراجح: هو جواز التمتع والقِران لأهل مكة إلا أنهم لا هَدْي عليهم؛ لعموم الآية. ولأن حقيقة التمتع والقِران موجودة في حاضري المسجد الحرام، كالآفاقيين، ولا فرق. وإنما يقع الخلاف بينهم في وجوب الدم على الآفاقيين دون حاضري المسجد الحرام؛ بسبب ما حصل للآفاقيين من الترفه بسقوط أحد السفرين عنهم، والله أعلم.

المسألة الثانية: مَنْ هم حاضرو المسجد الحرام؟

اختَلف الفقهاء على أربعة أقوال في المراد بحاضري المسجد الحرام:

القول الأول: هم أهل الحَرَم. وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وطاوس (٣).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨] فلم يختلفوا في أنه تعالى أراد الحَرَم كله (٤).


(١) البخاري (١٥٧٢).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (١٨١٠)، وفي إسناده عُبَيْد الله بن الحارث، قال فيه أبو حاتم: صدوق. وفي إسناده أيضًا عبد المؤمن بن أبي شُرَاعَة، قال فيه ابن مَعِينٍ: ثقة. وقال يحيى بن سعيد: لم يكن به بأس إذا جاءك بشيء تَعرفه. قلت: فهل يُقْبَل تَفَرُّدُ مَنْ هذا حاله؟!
(٣) يُنظَر «تفسير الطبري» (٣/ ١١٠)، و «المغني» (٥/ ٣٥٦)، وبه قال ابن حزم «المُحَلَّى» (٥/ ١٤٩).
(٤) «المُحَلَّى بالآثار» (٥/ ١٤٩).

<<  <   >  >>