للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حُرْمِهِ؟ قَالَتْ: بِأَطْيَبِ الطِّيبِ. وفي رواية: بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ (١). والمسك له رائحة تفوح.

الوجه الثالث: أن تَطيُّب النبي أعقبه اغتسال؛ لقول عائشة: «أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ عِنْدَ إِحْرَامِهِ، ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا» (٢).

وَإِنَّ الْمُرَادَ بِالطَّوَافِ الْجِمَاعُ، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ أَنْ لَا يَبْقَى لِلطِّيبِ أَثَرٌ.

ونوقش بقول عائشة: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ ، فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَحُ طِيبًا» فهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ نَضْحَ الطِّيبِ وَظُهُورَ رَائِحَتِهِ كَانَ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ.

وأما استدلالهم بالمعقول، فهو أن الطِّيب معنى يراد للاستدامة، فلم يَمنع الإحرام من استدامته كالنكاحِ (٣).

القول الآخَر: خَالَف المالكيةُ الجمهور، فمنعوا من استدامة الطِّيب في البدن، ولكن دون لزوم الفدية (٤).

واستدلوا بحديث يعلى بن أُمية، وفيه قول النبي للرجل: «اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَانْزِعْ عَنْكَ الجُبَّةَ … » (٥).

وَجْه الدلالة: في أمر النبي للرجل بغَسْل أثر الطِّيب الذي ببدنه، وبنزع الجبة التي عليها الطِّيب- دليل على منع المُحْرِم من استدامة الطِّيب بعد الإحرام في بدنه وثوبه، ولم يُلزِمه بالفدية.

ونوقش هذا الاستدلال من أربعة أوجه:

الوجه الأول: حَمْل الأمر بغَسْل الطِّيب في حديث يعلى على نوع مخصوص من الطِّيب، وهو الخَلوق، كما صَرَّحَتْ به بعض روايات الحديث (٦).


(١) مسلم (١١٩١).
(٢) مسلم (١١٩٢).
(٣) «المجموع» (٧/ ٢٢٢)، و «فتح الباري» (٣/ ٣٩٨).
(٤) «الذخيرة» (٣/ ٢٢٥).
(٥) البخاري (١٥٣٦). وفي رواية: «اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الصُّفْرَةِ»، ومسلم (١٢٠٣).
(٦) فروى مسلم (١١٨٠) عن يعلى بن أمية، وفيه قول النبي للرجل: «انْزِعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ الَّذِي بِكَ».

<<  <   >  >>