للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الباجي: وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ عَقْدِ النِّكَاحِ لِلْمُحْرِمِ، وَيَقْتَضِي مَنْعَ الْمُحْرِمِ مِنْ عَقْدِهِ لِغَيْرِهِ، وَإِذَا اقْتَضَى النَّهْيُ الْمَنْعَ مِنْ عَقْدِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، اقْتَضَى فَسَادَهُ إنْ عَقَدَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ (١).

ونوقش بأن المقصود بالنكاح في الحديث هو الوَطْء، ودل على ذلك عموم قوله تعالى: ﴿فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠] وكذا قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾ [النور: ٣].

وأجيب عنه من وجهين:

الأول: أن المراد بالنكاح عند الإطلاق العقد، وقد دل على ذلك عموم قوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٥].

الثاني: أن قوله تعالى: ﴿فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا﴾ حُمل على الوطء، بدليل قوله : «حتى تَذوقي عُسَيْلته»، وكذا سياق قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾ على الوطء.

وعن أبي غَطَفان: أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّ عُمَرُ نِكَاحَهُ (٢).

وعن سعيد، أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ وَهُوُ مُحْرِمٌ، فَأَجْمَعَ أَهْلُ المَدِينَةِ عَلَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا (٣).

وأما المعقول: فإن الإحرام مَعْنًى يَمنع من الوطء ودواعيه، فوجب أن يُمنع من النكاح، كالطِّيب (٤).

القول الآخَر: أنه يَجوز للمُحْرِم أن يتزوج، وأن يُزوِّج غيره، والمحظور على المُحْرِم هو الوطء ودواعيه. وهو مذهب الحنفية (٥).


(١) «المنتقى شرح الموطإ» (٢/ ٢٣٨).
(٢) إسناده صحيح: رواه مالك في «الموطأ» (٩٩٨) عن داود بن الحُصَيْن، عن أبي غَطَفان، به.
(٣) أخرجه البيهقي (٩٢٤٠) عن سعيد بن المسيب.
(٤) «الحاوي» (٤/ ١٢٤)، و «المجموع» (٧/ ٢٨٣، ٢٨٩)، و «الشرح الكبير» (٣/ ٣١٢).
(٥) «الهداية» (٣/ ٢٣٢).

<<  <   >  >>