للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحاصل: أن أصح ما ورد في هذا الباب حديثان:

الأول: في مَعْرِض النهي، وهو حديث عثمان: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ … ».

الثاني: في مَعْرِض الإباحة، وهو حديث ابن عباس، أَنَّ النَّبِيَّ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.

ورَجَّح الجمهور حديث عثمان لستة أمور:

الأول: أن حديث عثمان ناقل عن الأصل الذي هو الإباحة؛ فيُقَدَّم على حديث ابن عباس؛ لأنه مُبْقٍ على الأصل.

الثاني: أَنَّ تَزَوُّجَهُ فِعْلٌ مِنْهُ، وَالْفِعْلُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِهِ، وَحَدِيثُ عُثْمَانَ نَهْيٌ لِأُمَّتِهِ، وَالْمَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ، وَمَنْ رَدَّ نَصَّ قَوْلِهِ وَعَارَضَهُ بِفَعْلِهِ، فَقَدْ أَخْطَأَ.

الثالث: أَنَّ حَدِيثَ عُثْمَانَ حَاظِرٌ، وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُبِيحٌ، وَالْأَخْذُ بِالْحَاظِرِ أَحْوَطُ مِنَ الْأَخْذِ بِالْمُبِيحِ.

الرابع: أَنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ قَدْ عَمِلُوا بِمُوجِبِ حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، نَظَرْنَا إِلَى مَا عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ. وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيمَا بَلَغَنَا إِلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَدْ عُلِمَ مُسْتَنَدُ فَتْوَاهُ (١).

الخامس: أن حديث عثمان تقعيدُ قاعدة، وحديث ابن عباس واقعةُ عَيْن تحتمل أنواعًا من الاحتمالات، فكان حديث عثمان أَوْلَى.

السادس: أن العمل بحديث عثمان هو الأحوط للدين. وبه قال جماهير العلماء.


=على إسناد لطريق بِشر، إلا أنه ذَكَره الدارقطني معلقًا؛ ولذا لم يَعْتَدّ كثير من العلماء بطريق بِشر؛ ولذا فقد أشار البخاري والترمذي والطحاوي وابن عبد البر إلى تفرد مطر برفعه، ومطر فيه ضعف.
قال الترمذي: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ رَفَعَهُ غَيْرَ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ. «العلل الكبير» (ص: ١٣٠).
وقال الترمذي أيضًا: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ مَطَرٍ الوَرَّاقِ، رَوَاهُ مَالِكٌ وسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ مُرْسَلًا.
وقال الطحاوي: رَفَعَهُ مَطَرٌ، ولَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ، وَهُوَ أَضْبَطُ مِنْهُ وَأَحْفَظُ، فَقَطَعَهُ. «شرح معاني الآثار» (٢/ ٢٧٠). وكذا ابن عبد البر في «التمهيد» (٣/ ١٥١).
وإن كان يُفْهَم من كلام الدارقطني في «العلل» (٧/ ١٣)، والبيهقي في «معرفة السُّنن» (٧/ ١٨٥)، وابن القيم في «زاد المعاد» (٣/ ٣٢٩) أن المتصل صحيح، ولكن الصحيح في هذا الحديث هو الإرسال.
(١) «شرح العمدة» لابن تيمية، كتاب الحج (٢/ ٢٠٥).

<<  <   >  >>