للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اختَلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

الأول: إذا جامع المُحْرِم امرأته بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول، فسد حجه. وهو المشهور عند المالكية، ومذهب الشافعية والحنابلة (١).

واستدلوا بالمأثور والقياس:

أما المأثور، فَعَنْ شُعَيْبٍ قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عَمْرِو، فَسَأَلَهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ، فَأَشَارَ لَهُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: بَطَلَ حَجُّهُ. قَالَ: فَيَقْعُدُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يَخْرُجُ مَعَ النَّاسِ فَيَصْنَعُ مَا يَصْنَعُونَ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَابِلٌ حَجَّ وَأَهْدَى. فَرَجَعَا إِلَى ابْنِ عَمْرِو فَأَخْبَرَاهُ، فَأَرْسَلَنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ ابنُ عُمْر، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَا» (٢).

وَجْه الدلالة: أنهم لم يستفصلوا السائل، ولم يُفرقوا بين ما قبل الوقوف وبعده.

وأما القياس، فإذا جامع المُحْرِم قبل الوقوف فسد حجه، فكذا بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول؛ لأنه جماع صَادَف إحرامًا تامًّا، فأَفْسَدَه، كما قَبْل الوقوف (٣).

القول الآخَر: لا يَفسد حجه. وهو مذهب الحنفية (٤).

قال الماوردي: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَسَدَ حَجُّهُ، وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَهُ لَمْ يَفْسُدْ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ : «الحَجُّ عَرَفَةُ» وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَأْمَنُ بِهِ الْفَوَاتَ، فَأَمِنَ بِهِ الْفَسَادَ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ : «الحَجُّ عَرَفَةُ» فَلِأَنَّ بِإِدْرَاكِ عَرَفَةَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِرُكْنٍ يَأْمَنُ بِهِ فَوَاتَ الْحَجِّ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُرُودِ الْفَسَادِ (٥).


(١) «التاج والإكليل» (٣/ ١٦٧)، و «المجموع» (٧/ ٣٨٤)، و «المغني» (٥/ ٣٧٢)، و «الإنصاف» (٣/ ٣٥٠).
(٢) إسناده حسن: رواه ابن أبي شيبة (٤/ ٢٣٩)، والدارقطني (٣٠٠٠)، والحاكم (٢٤١٠).
(٣) «المغني» (٥/ ١٦٦، ١٦٧).
(٤) «المبسوط» (٤/ ٥٧)، و «بدائع الصنائع» (٢/ ٢١٧).
(٥) «الحاوي» (٤/ ٢١٨).

<<  <   >  >>