للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْحَرَامُ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الأَقْصَى» قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ عَامًا» (١).

٢ - مَنْ عَزَم فيه على فعل معصية بخلاف الخاطرة، فإنه مُتوعَّد بعموم قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥].

قال ابن مسعود في تفسير هذه الآية: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ فِيهِ بِإِلْحَادٍ، وَهُوَ بِعَدَنِ أَبْيَنَ، لَأَذَاقَهُ اللهُ ﷿ عَذَابًا أَلِيمًا» (٢).

٣ - أن الصلاة تُضاعَف في المسجد الحرام؛ لعموم قول النبي : «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي


(١) أخرجه مسلم (٥١٠). وقال ابن القيم: وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْمُرَادَ بِهِ، فَقَالَ: مَعْلُومٌ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ هُوَ الَّذِي بَنَى الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ عَامٍ. وَهَذَا مِنْ جَهْلِ هَذَا الْقَائِلِ؛ فَإِنَّ سُلَيْمَانَ إِنَّمَا كَانَ لَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى تَجْدِيدُهُ لَا تَأْسِيسُهُ، وَالَّذِي أَسَّسَهُ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، بَعْدَ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ الْكَعْبَةَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ. «زاد المعاد» (١/ ٥٠).
(٢) إسناده حسن: يَرويه السُّدِّي، وقَد اختُلِف عنه، فرُوي مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أصح.
وأخرجه موقوفًا الطبري (١٧/ ١٤٠، ١٤١) من طريق يحيى القطان، عن الثوري، عن السُّدي، به.
وأخرجه أحمد (٤٠٧١): عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ السُّدِّيِّ. قد رَفَعه شُعبة عن شيخه رواية، لكنه كان يَرى وقفه، فقد قال: وأنا لا أرفعه لك.
وقد رَجَّح الدارقطني أن الموقوف أصح. «علل الدارقطني» (٢/ ٤٦٢).
وقد اختَلف العلماء في حُكم مضاعفة السيئات في حرم مكة على قولين:
القول الأول: أن السيئات لا تُضاعَف. وهو قول لكل من الحنفية والشافعية والحنابلة. «فتح القدير» (٢/ ١٧٨)، و «إعلام الساجد» (ص: ١٢٨)، و «كشاف القناع» (٢/ ٥١٨).
واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠].
واستدلوا بما روى البخاري (٧٥٠١)، ومسلم (١٢٠): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «قَالَ اللَّهُ ﷿: إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَةً».
القول الآخَر: ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة في المشهور عنهم إلى أن السيئات تُضاعَف بمكة بمِائة ألف. «فتح القدير» (٢/ ١٧٨)، و «الإنصاف» (٣/ ٥٦٣).
واستدلوا بما ورد عن ابن عباس أنه سُئل عن مُقامه بغير مكة فقال: مَا لِي وَبَلَدٍ تَتَضَاعَفُ فِيهِ السَّيِّئَاتُ كَمَا تَتَضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ؟!
وهذا الأثر لم أقف له على سند، ذَكَره البُهُوتي في «كشاف القناع» (٦/ ٣٤٩)، وذَكَره الزركشي في «إعلام الساجد» (ص: ١٢٨)، قال المحقق: وفي هامش هذه الصفحة وَجَدْتُ بخط ابن حجر ما نصه: هذا لم يَثبت عن ابن عباس، ولم يَزَل مَقره بمكة، إلى أن خرج عنها لما سافر مع ابن الزبير، فأقام بالطائف.
والراجح: أَنْ المُضاعَفة في الكَيْف لا الكَمّ، أي أن السيئة في الحرم أعظم من غيرها في الأماكن الأخرى؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥] ولكن المضاعفة بمِائة ألف لا يدل عليها دليل صحيح. والله أعلم.

<<  <   >  >>