للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والراجح: ما ذهب إليه جمهور العلماء من صحة الطواف داخل المسجد، وإن تباعد عن البيت. وقد يُستحب التباعد عن الكعبة عند وجود الزحام بالقرب وبالدنو من الكعبة. أما إن كان القرب والدنو ليس فيهما زحام فيُستحب له القرب من الكعبة، واتَّفق العلماء على أن المسجد الحرام وغيره من المساجد إذا وُسِّع، دخلت التوسعة في حكمه.

المطلب الثالث: الطواف على سطح المسجد:

اختَلف العلماء في جواز الطواف على سطح المسجد على ثلاثة أقوال:

الأول: يجوز الطواف على سطح المسجد. وبه قال الحنفية، والشافعية في المشهور، وأحمد في رواية (١).

واستدلوا بما ورد عن ابن عباس قال: «طَافَ النَّبِيُّ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ» فيقال بجواز الطواف والسعي في السطح، وذلك لشبهه بالطواف والسعي راكبًا؛ إذ الكل غير مباشر للأرض في طوافه ولا سعيه.

واستدلوا بالقياس، فكما أن مَنْ كان يَسكن فوق جبل مرتفع عن البيت، يَجوز أن يصلي إلى الكعبة، فكذا يَجوز الطواف في الدور الثاني على سطح المسجد الحرام (٢).

وأما المعقول، فإن حقيقة الكعبة هي البناء، وما فوقه من الهواء، ولو انهدم البيت- والعياذ بالله- لصحت الصلاة إلى البقعة، فكذا يصح الطواف على سطح المسجد.


(١) «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٥٢٩)، و «المجموع» (٨/ ٤٣)، و «الإنصاف» (٤/ ١٥).
(٢) قال النووي: لَوْ طَافَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ، صَحَّ، وَإِنِ ارْتَفَعَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ. قَالَ: كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ مَعَ ارْتِفَاعِهِ عَلَى الْكَعْبَةِ. «المجموع» (٨/ ٣٩).
وفي «رد المحتار» (١/ ٤٣٢): لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقِبْلَةِ الْكَعْبَةُ الَّتِي هِيَ الْبِنَاءُ الْمُرْتَفِعُ عَلَى الْأَرْضِ؛ فَهِيَ مِنَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ إِلَى الْعَرْشِ. فَلَوْ صَلَّى فِي الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ وَالْآبَارِ الْعَمِيقَةِ السَّافِلَةِ، جَازَ.
وفي «أبحاث هيئة كبار العلماء» (١/ ٣٠): وقد يُسترشَد فيه بالقرآن وأقوال الفقهاء، قال الله تعالى: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة].
في هذه الآية خطاب من الله للناس في كل مكان، أن يُوَلُّوا وجوههم قِبل المسجد الحرام، سواء منهم مَنْ كان بأرض منخفضة عن المسجد الحرام، فيكون مُستقبِلًا في صلاته لتُخوم أرضه، ومَن كان منهم بمكان مرتفع عن سطح الكعبة، فيكون مُستقبِلًا لِما فوق الكعبة من الهواء.
فدل ذلك على أن حُكم ما تحت البيت الحرام من تخوم الأرض وما فوقه من الهواء، في استقبال القبلة في الصلاة- حُكْم استقبال البيت نفسه.

<<  <   >  >>