للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: لا يجوز الطواف على سطح المسجد إذا كان ارتفاعه أعلى من ارتفاع الكعبة. وهو اختيار بعض الشافعية (١).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] فأَمَر الله بالطواف بالبيت، فمَن طاف مرتفعًا على بناء البيت لم يكن طائفًا به.

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: ما قاله الرافعي، بأنه لو صح قوله لزم منه أن يقال: لو انهدمت الكعبة- والعياذ بالله- لم يصح الطواف حول عَرْصَتها (٢).

الثاني: أن البيت يطلق على الكعبة باعتبار البقعة، بقطع النظر عن البناء. وكما أنه يطاف بالبيت، فكذا يصلى إليه وإن كان على جبل أعلى من الكعبة آلاف الأمتار.

واستدلوا بأن الأمكنة المحددة شرعًا لنوع من أنواع العبادات- ليست محلًّا للقياس؛ لأن المناسك مرهونة بأمكنتها وأزمنتها، ومعلوم أن النبي قد بَيَّن الأمكنة التي أنيط بها النسك. فالساعي في المسعى الأعلى الجديد لا يَصدق عليه أنه ساعٍ بين الصفا والمروة، وإنما هو ساعٍ فوقهما.

ونوقش بأن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، فالطواف والسعي من الأدوار العليا ليس تحكمًا في مكان النسك ولا تغييرًا له، بل الأحكام الشرعية تُؤكِّد أن الهواء تابع للقرار فيأخذ أحكامه؛ فقد اتَّفَق العلماء على جواز استقبال ما فوق الكعبة من هواء في الصلاة؛ كاستقبال بنائها، فكذا جواز الطواف والمسعى العلوي.

القول الثالث: لا يَجوز الطواف إلا في المسجد القديم في عهد رسول الله ، وليس المسجد بعد توسعته. وهو قول المالكية (٣).

واستدلوا بأن الطواف على سطح المسجد طوافٌ خارج المسجد، والطواف خارج


(١) «الحاوي» (٤/ ١٤٩)، و «المجموع» (٨/ ٣٩).
(٢) «المجموع» (٨/ ٣٩).
(٣) «الذخيرة» (٣/ ٢٤١)، و «التاج والإكليل» (٣/ ٧٥).
قال الدردير: الْمُرَادُ بِالسَّقَائِفِ: مَا كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَيْهَا مِمَّا هُوَ مَوْجُودٌ الْآنَ، فَلَا يَجُوزُ الطَّوَافُ فِيهِ لِزَحْمَةٍ وَلَا غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ فِيهَا خَارِجٌ عَنِ الْمَسْجِدِ. «الشرح الكبير» (٢/ ٣٣).

<<  <   >  >>