للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّاسِ وَالإِمَامِ، فَلَمْ يُدْرِكْ حَجَّهُ» (١).

وجه الدلالة: أن الرسول عَلَّق إدراك الحج بإدراك مزدلفة والوقوف فيها، ومعنى ذلك أن مَنْ لم يُدرِك الوقوف بمزدلفة، فلا حج له.

ونوقش بأن الحديث ضعيف، واللفظ الصحيح هو قول رسول الله : «الحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» (٢).

وهذا دليل على عدم الركنية، فالنبي مد وقت الوقوف بعرفة إلى طلوع الفجر مِنْ ليلة جَمْع، ومعلوم أن هذا الواقف بعرفة في آخِر جزء من ليلة النحر، فهو لا يستطيع أن يصل إلى مزدلفة في زمن النبي إلا بعد طلوع الشمس، وقد فاته المبيت بمُزدلِفة قَطْعًا بلا شك، ومع ذلك فقد صَرَّح النبي بأن حجه تام. ولو كان الوقوف بمزدلفة ركنًا لم يصح حجه، ولاختص بزمان مستقل لا يشاركه فيه غيره، كالوقوف بعرفة.

الدليل الثاني من السُّنة: رُوِي أنه قال: «مَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ، فَلَا حَجَّ لَهُ» (٣).


(١) مُعَل، والمتن منكر، مدار هذا الحديث على الشَّعْبي عن عروة بن مُضَرِّس. واختُلف على الشَّعْبي:
فرواه عنه مُطَرِّف بن طَريف بهذا اللفظ عند النَّسَائي (٣٠٦٣) و «الكبرى» (٤٢٣٨) من طريق جرير بن حازم، والطحاوي في «مشكل الآثار» (٤٦٨٨) من طريق موسى بن أَعْيَن.
وخالف مُطَرِّفًا جماعة: فرواه إسماعيل بن أبي خالد، وداود بن أبي هند، وزكريا بن أبي زائدة، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ … وغيرهم كثير، كما عند النَّسَائي (٣٠٤٣)، والطحاوي في «شرح المعاني» (٣٩٤٢، ٣٩٤٣، ٣٩٤٤) وفي «المشكل» (٤٦٨٩، ٤٦٩٠، ٤٦٩١).
فهؤلاء أصحاب الشَّعْبي الثقات لم يَذكروا هذا اللفظ، فهو منكر.
وقد قال الطحاوي: وهذا المعنى لمن فاته الوقوف بجَمْع، أنه لا حج له، فلم نَعْلَم أحدًا جاء به في هذا الحديث عن الشَّعْبي غير مُطَرِّف، فأما الجماعة من أصحاب الشَّعْبي، فلا يَذكرونه فيه، منهم عبد الله بن أبي السَّفَر وإسماعيل بن أبي خالد. «شرح مشكل الآثار» (١٢/ ١٠٩).
وقال ابن حجر: «وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ جُزْءًا فِي إِنْكَارِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَبَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، وَأَنْ مُطَرِّفًا كَانَ يَهِمُ فِي الْمُتُونِ». «فتح الباري» (٣/ ٥٢٩).
(٢) صحيح: أخرجه أحمد (١٨٧٧٣)، وأبو داود (١٩٤٠)، والترمذي (٨٩٩)، والنَّسَائي (٣٠٣٩) واللفظ له، من طريق سُفيان وشُعبة، كلاهما عن بُكَيْر بن عطاء، عن عبد الرحمن بنِ يَعْمَر، به.
قال الترمذي: قال ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَهَذَا أَجْوَدُ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. قال وكيع: هذا الحديث أُم المناسك. وقال الذُّهْلي: ما أرى للثوري حديثًا أشرف منه.
(٣) قال ابن المُلقِّن: هَذَا الحَدِيثُ أَيْضًا غَرِيبٌ، لَا أَعْلَمُ مَنْ خَرَّجَهُ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ المُهَذَّبِ»: إِنَّه لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَا مَعْرُوفٍ. قَالَ: وَيُجَابُ عَنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ أَنَّ المُرَادَ: لَا حجَّ كَامِلٌ. وَقَالَ مُحِبُّ الدَّينِ الطَّبَرِيُّ فِي «شَرْحِ التَّنْبِيهِ»: (لَا) أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ الرَّافِعِيُّ. «البدر المنير» (٦/ ٢٤٩)، و «التلخيص الحبير» (٢/ ٤٩١).

<<  <   >  >>