للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونوقش بأن هذا الحديث: ليس بثابت ولا معروف.

القول الثالث: أن الوقوف بمزدلفة سُنة من سُنن الحج. وهو قول عند الشافعية، ورواية عن أحمد، ورُوي عن عطاء والأوزاعي والثوري (١).

واستدلوا بالسُّنة والقياس:

أما دليلهم من السُّنة، فعن النبي قال: «إِنَّمَا جَمْعٌ مَنْزِلٌ لِدَلْجِ المُسْلِمِينَ» (٢).

وَجْه الدلالة: أنه جَعَل أيّ مزدلفة منزلًا للراحة بين عرفة ومِنًى، فمَن شاء نزل به، ومَن لم يشأ لم يَنزل، وفِعل الرسول يدل على الاستحباب.

وأما دليلهم من القياس، فقالوا: إن المبيت بمزدلفة سُنة، قياسًا على المبيت بمِنًى ليلة عرفة، ووَجْه التشابه بينهما أن النبي بات بمِنًى ليلة عرفة ليَسهل خروجه إليها، وكذا بات بمزدلفة لأنها منزل للراحة بين عرفة ومِنًى، وليس بنسك مقصود لذاته.

والراجح: أن الوقوف بمزدلفة واجب، مَنْ تَرَكه فعليه دم؛ لفِعْل الرسول ، فقد بات بمزدلفة، وهذا الفعل يُحْمَل على الوجوب. ولا يكون ركنًا؛ لعموم قول رسول الله : «الحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ».

ولا شك أن الواقف بعرفة قُبيل الفجر لا يدرك المبيت بمزدلفة وقد صح حجه، ولو كان المبيت بمزدلفة ركنًا، لم يصح حجه، وهذه تُسمَّى دلالة الالتزام، أي: مَنْ أَدْرَك عرفة قبل الفجر، فسيفوته المبيت بمزدلفة قطعًا، ومع ذلك فقد دل النص على أن حجه تام.

ولماذا لا يكون المبيت بمزدلفة سُنة؟ لأن الرسول أَذِن ورَخَّص للضَّعَفة بالانصراف، وإذا كان رَخَّص لهؤلاء فعُلِم أن المبيت لغيرهم واجب.

وأما مَنْ لم يستطع دخول مزدلفة لتَعطُّل حركة السير أو ازدحامه حتى طلوع الشمس، فلا يجب عليه دم؛ لأنه بَذَل ما في وُسعه للحصول على المبيت، ولم يتمكن من ذلك،


(١) «الإيضاح» (٢٩٨)، و «فتح الباري» (٣/ ٦١٩)، و «الفروع» (٦/ ٢١).
(٢) يراجع سنده «شرح البخاري» لابن بَطَّال (٤/ ٣٦٣).

<<  <   >  >>