للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بما ورد عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ المُزْدَلِفَةِ، فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ غَابَ القَمَرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَارْتَحِلُوا. فَارْتَحَلْنَا وَمَضَيْنَا، حَتَّى رَمَتِ الجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا (١).

فأسماء دفعت من مزدلفة إلى مِنًى بعد غياب القمر، ثم رمت جمرة العقبة قبل الفجر، ثم رجعت فصَلَّتْ الصبح في منزلها.

وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتِ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ (٢).


(١) أخرجه البخاري (١٦٧٩).
(٢) ضعيف، مدار هذا الحديث على هشام بن عروة، واختُلف عليه على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: مَنْ رواه عن هشام موصولًا، فرواه الضحاك بن عثمان وفيه مقال، عند أبي داود (١٩٤٢)، تَابَعه على الاتصال ثلاثة من الضعفاء عبد الله بن محمد بن عروة، ومحمد بن عبد الله بن عُمير، وشَريك، عند الدارقطني في «العلل» (٩/ ٥٠) عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، به.
وقد صَحَّح هذا الوجه الموصول: البيهقي فقال: «هَذَا إِسْنَادٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ» «معرفة السُّنن والآثار» (٧/ ٣١٧)، وابن المُلقِّن في «البدر المنير» (٦/ ٢٥٠)، وابن حجر في «الدراية» (٢/ ٢٤) وقال ابن عبد الهادي في «المُحرَّر» (١/ ٤٥٢): رجاله رجال مسلم.
الوجه الثاني: مَنْ رواه عن هشام مرسلًا، فرواه داود العَطَّار، والدراوردي، عند الشافعي (١٠٠٢)، وحماد بن سلمة عند الطحاوي في «شرح المشكل» (٣٥٢١)، والثوري وابن عُيينة، ويحيى القطان، كما في «العلل» لأحمد، رواية ابنه عبد الله (٢/ ٣٦٨)، وعبدة بن سليمان، كما في «التمييز» (ص: ١٢٣) وحَبيب المُعَلِّم، كما في «العلل» للدارقطني (١٥/ ٢٤٥) جمعيهم عن هشام، عن أَبيه، مرسلًا.
قال الدارقطني في «العلل» (٥/ ١٧٧): والمرسل هو المحفوظ.
الوجه الثالث: رواه أبو معاوية، فجَعَله من مُسْنَد أم سلمة، بلفظ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ أَمَرَهَا أَنْ تُوَافِيَ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ. أخرجه أحمد (٢٦٤٩٢). وهذا منكر، من أوهام أبي معاوية؛ لأن النبي صلى الصبح يوم النحر بالمزدلفة. قال ابن القيم: «حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، أَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ». «زاد المعاد» (٢/ ٢٣٠). وقال مسلم: وهذا الخبر وهم من أبي معاوية. «التمييز» (ص: ١٨٦). وقال ابن التركماني: وهو مضطرب سندًا ومتنًا. «الجوهر النقي» (٥/ ١٣٢).
وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ- وهو متروك- عَنْ هِشَامِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَدَّمَنِي رَسُولُ اللهِ ، فِيمَنْ قَدِمَ مِنْ ضَعَفَةِ أَهْلِهِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ. قَالَتْ: فَرَمَيْتُ الْجَمْرَةَ بِلَيْلٍ، ثُمَّ مَضَيْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّيْتُ بِهَا الصُّبْحَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مِنًى. أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (٢٣/ ٢٦٨).
فالحاصل: أن مدار هذا الحديث على هشام بن عروة، واختُلف عليه، فرواه الضحاك بن عثمان، وفيه مقال، وجماعة من الضعفاء، على الاتصال، وخالفهم جماعة من الثقات، كحماد بن سلمة ويحيى القطان والثوري وابن عُيينة وعبدة بن سليمان … وغيرهم على الإرسال، وهذا هو الصحيح، ورواه أبو معاوية فجَعَله من مسند أم سلمة، وهو منكر، والله أعلم.

<<  <   >  >>