للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما دليلهم من المعقول، فهو أنه وقت للدفع، فكان وقتًا للرمي، فإذا جاز الدفع من مزدلفة بعد غياب القمر إلى مِنًى، جاز الرمي قبل طلوع الفجر، وما بعد نصف الليل وقت للدفع من مزدلفة، فكان وقتًا للرمي، كبَعْد طلوع الشمس.

القول الثاني: أن أول وقت رمي جمرة العقبة بعد طلوع الفجر الثاني من يوم النحر، ولا يجزئ قبله. وهذا مذهب الحنفية والمالكية، ورواية عن أحمد (١).

واستدلوا بالسُّنة والمعقول:

أما السُّنة، فاستدلوا بعموم قول النبي : «لَا تَرْمُوا الْجِمَارَ حَتَّى تُصْبِحُوا» (٢). والصباح يَبدأ بطلوع الفجر الثاني.

ونوقش بأنه لا يصح، ولو صح فيُحْمَل على أن الرمي بعد الفجر على الاستحباب؛ لأن الرسول أَذِن للضَّعَفة بالانصراف ليلًا من مزدلفة؛ لأنهم بمجرد وصولهم إلى مِنًى سيَرمون الجمرة ليلًا أو نهارًا. ولأن النبي لم ينههم عن الرمي ليلًا، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ، فَرَمَيْنَا الْجَمْرَةَ مَعَ الْفَجْرِ (٣).


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٣٧)، و «المُدوَّنة» (١/ ٤٣٦)، و «الإنصاف» (٤/ ٢٣٧).
(٢) منكر، وسيأتي تخريجه بتوسع.
(٣) رُوي حديث ابن عباس على ثلاثة أوجه:
الأول: بذكر التعجيل في الدفع للضعفة، ففي «الصحيحين»: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةِ، فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ» فهذا هو الثابت عن ابن عباس بلا شك، وليس فيه النهي عن الرمي قبل طلوع الشمس.
الثاني: بذكر التعجيل في الدفع للضعفة، مع زيادة منكرة، وهي النهي عن الرمي قبل طلوع الشمس.
الثالث: بذكر التعجيل في الدفع وذِكر الرمي مع الفجر، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ، فَرَمَيْنَا الْجَمْرَةَ مَعَ الْفَجْرِ» أخرجه الطيالسي (٢٨٥٢) وأحمد (٢٩٣٥، ٢٩٣٦).
وقوله: «فَرَمَيْنَا الْجَمْرَةَ مَعَ الْفَجْرِ» زيادة منكرة؛ لتَفرُّد شُعبة بن دينار بهذه اللفظة عن ابن عباس، وهو ضعيف، وقد خالف شُعبة الروايات الثابتة عن ابن عباس بدون ذكر الرمي مع الفجر.
وروى الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٣٩٧٢): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ لِلْعَبَّاسِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ: «اذْهَبْ بِضُعَفَائِنَا وَنِسَائِنَا، فَلْيُصَلُّوا الصُّبْحَ بِمِنًى، وَلْيَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُمْ دَفْعَةُ النَّاسِ». وهذا المتن ليس فيه أنهم رَمَوُا الجمرة مع الفجر.
وفي إسناده إسماعيل بن عبد الملك، قال ابن حجر: صدوق، كثير الوهم. قلت: وهو إلى الضعف أقرب. وقال ابن حِبان: تَرَكه ابن مهدي، وكان سيئ الحفظ، رديء الفَهْم، يَقلب ما روى. قال أحمد: منكر الحديث. هذا المتن من أوهامه لمخالفة الثقات له بدون ذكر صلاة الفجر في مِنًى.

<<  <   >  >>