للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما المعقول، فإن دخول وقت الرمي يكون بانتهاء وقت الوقوف بعرفة، وقد حَصَل الإجماع على أنه لا ينتهي وقت الوقوف بعرفة إلا مع طلوع الفجر، ولا يجتمع الوقوف والرمي في وقت واحد.

ونوقش بأن أفعال الحج لا مانع أن تجتمع في وقت واحد؛ فليلة النحر وقت للوقوف بعرفة، وأصل للوقوف بمزدلفة، وكيوم النحر وقت للرمي والنحر والحَلْق والطواف.

القول الثالث: أن أول وقت الرمي يوم النحر هو طلوع الشمس، ولا يجوز رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس. وهو قول مجاهد والثوري وابن حزم (١).

واستدلوا بما ورد عن ابن عباس، أَنَّ النَّبِيَّ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ مِنْ جَمْعٍ، وَقَالَ: «لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» (٢).


(١) «المبسوط» (٤/ ٢١)، و «المغني» (٥/ ٢٩٥)، و «المُحَلَّى» (٥/ ١٣٢).
(٢) ضعيف، حديث ابن عباس له عدة طرق، من أهمها (مِقْسَم وعطاء والحسن العُرَنِي).
الطريق الأول: طريق مِقْسَم، رواه المسعودي، عن الحَكَم، عن مِقْسَم، عن ابن عباس، به. أخرجه أحمد (٣٠٠٣) (٣٠٠٦) (٣٢٠٣) والترمذي (٨٩٣).
وقد أُعِل بعلتين: الأولى: المسعودي، وقد اختَلَط. الثانية: الانقطاع بين الحَكَم بن عُتبة ومِقْسَم، قال البخاري: «حديث الحَكَم هذا عن مِقْسَم مضطرب لِما وَصَفْنا، ولا يُدْرَى الحَكَم سَمِع هذا من مِقْسَم أم لا». «التاريخ الأوسط» (٣/ ٢٠٢).
الطريق الثاني: رواه حَبِيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عباس، به، عند أبي داود (١٩٣٢).
وعلة هذا الطريق أن رواية حَبيب فيها ضعف عن عطاء. قال يحيى القطان: رواية حبيب بن أبي ثابت عن عطاء ليست بمحفوظة. «الضعفاء الكبير» للعُقيلي (١/ ٤٨٤)، و «شرح علل الترمذي» (٢/ ٨٠١).
الطريق الثالث: رواه سَلَمَة بن كُهَيْل، عن الحَسَن العُرَنِيّ، عن ابن عباس، عند أحمد (٢٠٨٢).
قال أحمد والبخاري: لم يَسمع الحسن من ابن عباس. «العلل» رواية ابنه عبد الله (١/ ١٤٣)، و «التاريخ الأوسط» (٣/ ٢٠٢).
وله طرق أخرى عن ابن عباس لا تخلو من مقال.
فالحاصل: أن طرق حديث ابن عباس في النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس- كلها ضعيفة، وتخالف الأسانيد الصحيحة؛ فقد اتفقت الرواة عن ابن عباس على أنه قَدَّم ضَعَفة أهله ليلة المزدلفة، ففي «الصحيحين»: عن ابن عباس قال: «أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ» فهذا هو الثابت عن ابن عباس، وليس فيه النهي عن الرمي قبل طلوع الشمس.
قال البخاري: أحاديث الرمي قبل طلوع الشمس أَكثر وأَصح. «التاريخ الأوسط» (١/ ٢٩٧).
قال ابن خُزيمة: قَدْ خَرَّجْتُ طُرُقَ أَخْبَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي كِتَابِي الْكَبِيرِ، أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَلَسْتُ أَحْفَظُ فِي تِلْكَ الأَخْبَارِ إِسْنَادًا ثَابِتًا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ. (٤/ ٤٧٥).
فدل ذلك على أن الصحيح عن ابن عباس أن الرسول رَخَّص له في الانصراف من مزدلفة إلى مِنًى مع ضَعَفة أهله، والنهي عن رمي الجمرة قبل طلوع الشمس لم يأتِ إلا في روايات مُعَلة، والله أعلم.

<<  <   >  >>