أما الكتاب، فاستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] فمَن طاف متأخرًا، فقد طاف وحَقَّق الأمر الشرعي، وقد قال تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] ولا تمام للحج بدون طواف الإفاضة، ولم يَرِد تأقيت لآخِره.
وَجْه الدلالة: أن النبي ﷺ لما عَلِم أن صفية قد حاضت ظن أنها لم تَطُف للإفاضة، فقال:«أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» أي أن صفية لو كانت حائضًا ولم تَطُف للإفاضة، لانتظرها حتى تَطْهُر وتطوف، وهذا بَعْد أيام التشريق؛ لأنه قد حان طواف الوداع. فهذا الحديث يؤخذ منه أن طواف الإفاضة كان وقته مفتوحًا.
وأما المعقول، فهو أن طواف الإفاضة لم يَرِد دليل يُبيِّن آخِر وقته، فمتى أتى به صح، فلو تَوَقَّتَ آخِرُه لبَيَّنه رسول الله ﷺ؛ لأنه لا يَجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
القول الثاني: أن تأخير الطواف إلى انتهاء أيام التشريق موجب للدم. وهو مذهب الحنفية، وقول عند المالكية، ورواية عن أحمد (١).
وَجْه الدلالة: أن طواف الإفاضة مؤقت بأيام التشريق وجوبًا، وذلك أن الله تعالى عَطَف الطواف على الذبح والأكل بقوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨] ثم قال: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] فكان وقتهما واحدًا، فتأخير
(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٣٢)، و «الذخيرة» (٣/ ٢٧١)، و «الفروع» (٦/ ٥٨)، و «نقد مراتب الإجماع» (٢٩٣).