للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنَ الرُّفْقَةِ، فَوَجَدَهَا رَجُلٌ مَأْمُونٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْحَبَهَا حَتَّى يُبَلِّغَهَا الرُّفْقَةَ (١).

المسألة الثالثة: اشتراط المَحْرَم في سفر المرأة للحج الواجب:

اختَلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه لا يَجوز للمرأة أن تسافر لحج الفريضة بغير مَحْرَم. وهو مذهب الحنفية، وقول عند الشافعية، والمذهب عند الحنابلة (٢).

واستدلوا لهذا القول بالكتاب والسُّنة والمعقول:

أما الكتاب، فاستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.

وَجْه الدلالة: أن المرأة التي لا مَحْرَم لها لا يجب عليها الحج؛ لأن المَحْرَم بالنسبة لها من السبيل، واستطاعة السبيل شَرْط في وجوب الحج، ولا يَجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها زَوْج أو مَحْرَم لها.

وأما السُّنة، ففي «الصحيحين»: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا» (٣).

قال ابن تيمية: فَهَذِهِ نُصُوصٌ مِنَ النَّبِيِّ فِي تَحْرِيمِ سَفَرِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَلَمْ يُخَصِّصْ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ، مَعَ أَنَّ سَفَرَ الْحَجِّ مِنْ أَشْهَرِهَا وَأَكْثَرِهَا (٤).

وفي «الصحيحين»: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً. قَالَ: «اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» (٥).

وفي رواية: «لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» (٦).


(١) «فتح الباري» (٤/ ٧٦).
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٢٣)، و «البيان» (٤/ ٣٥)، و «مسائل ابن هانئ» (١/ ١٣٩).
(٣) أخرجه البخاري (١٠٨٨)، ومسلم (١٣٥٩) واللفظ له.
(٤) «شرح العمدة» (١/ ١٧٤).
(٥) أخرجه البخاري (٣٠٠٦)، ومسلم (١٣٤١).
(٦) شاذ بهذا اللفظ، ومدار هذا الحديث على عمرو بن دينار، عن أبي مَعْبَد، عن ابن عباس، واختُلف عليه:
فرواه أبو عاصم عند البزار في «مُسْنَده» كما في «نَصْب الراية» (٣/ ١٠) وحَجاج بن أرطأة عند الدارقطني (٢٤٤٠) كلاهما عن ابن جُرَيْج، عن عمرو، به، بلفظ: «لَا تَحُجَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ».
وخالفهما الثقات الأثبات عن ابن جُريج، ولم يَذكروا هذه اللفظة في حديثهم، وهم: ابن عُيينة عند البخاري (٣٠٦١)، وهشام بن سليمان، عند مسلم (١٣٤١)، والقطان ورَوْح بن عُبَادة، كلاهما عند أحمد (٣٢٣١، ٣٢٣٢)، والحسين بن سعيد، عند أبي نُعَيْم في «المستخرج» (٣١٢٥)، وشُعَيْب بن إسحاق، عند ابن ماجه (٢٩٠٠). فهؤلاء ستة من الرواة لم يَذكروا الزيادة، فالثابت عن ابن جُريج ما رواه الجماعة عنه، ليس فيه: «لَا تَحُجَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ».
وقد رواه الثقات عن عمرو بن دينار، بدون هذه اللفظة، وهم: ابن عُيينة، عند البخاري (٣٠٠٦) ومسلم (١٣٤١)، وحماد بن زيد، عند البخاري (١٨٦٢) ومسلم (١٣٤١)، ورَوْح بن القاسم ومحمد بن مسلم، كلاهما عند الطبراني في «الكبير» (١١/ ٤٢٤، ٤٢٥).
فالمحفوظ الثابت من حديث ابن عباس هو لفظ «الصحيحين».

<<  <   >  >>