للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] فالآية دليل على أنه يجب على الحاج أن يقيم يومين في الموضع الذي شُرِع فيه ذكر الله ورمي الجمار، ويُرخَّص له في الانصراف في اليوم الثالث. فدلت الآية على وجوب المبيت بمِنًى.

وأما السُّنة، فاستدلوا بدليلين:

الأول: أن النبي بات بمِنًى ليالي أيام التشريق، وقال: «لتأخذوا مناسككم».

الثاني: ما ورد في «الصحيحين»: عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اسْتَأْذَنَ العَبَّاسُ بْنُ عَبدِ المُطَّلِبِ رَسُولَ اللهِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى؛ مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ (١).

وَجْه الدلالة: أن كلمة (استأذن) تدل على أن المبيت بمِنًى ليالي أيام التشريق واجب، ولو كان المبيت سُنة لَمَا احتاج العباس إلى الترخيص والإذن من الرسول .

وأما المأثور، فَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى أَنْ يَبِيتَ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ، وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مِنًى (٢).

فنَهْي عُمَر الحُجاج عن المبيت خارج مِنًى ليالي أيام التشريق، وحِرصه على دخول الناس في حدود مِنًى- دليل على وجوب المبيت، وهو ممن أُمِرنا باتباعهم.

القول الآخَر: أن المبيت بمِنًى ليالي أيام التشريق سُنة. وبه قال الحنفية، وهو قول مرجوح عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة، وهو مذهب الظاهرية (٣).

واستدلوا بما ورد عن ابن عباس قال: إِذَا رَمَيْتَ الْجِمَارَ، فَبِتْ حَيْثُ شِئْت (٤).


(١) رواه البخاري (١٦٣٤)، ومسلم (١٣١٥).
(٢) إسناده صحيح: أخرجه مالك (١٢٠٨)، واللفظ له، عن نافع، عن ابن عمر، به.
(٣) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٥٩)، و «المجموع» (٨/ ٢٤٧)، و «الإنصاف» (٤/ ٦٠)، و «المُحَلَّى» (٥/ ١٩٤).
(٤) إسناده حسن: أخرجه ابن أبي شيبة (١٤٦١٤)، وفي إسناده زيد بن الحُبَاب، وهو صدوق.
وروى عبد الرزاق كما في «التمهيد» (١٧/ ٢٦٢): عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى، وَيَظَلَّ إِذَا رَمَى الْجِمَارَ. وهذا سند صحيح.

<<  <   >  >>