للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأُخْبِرَتْ عَائِشَةُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ يُفْتِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُسَافِرُ إِلَّا مَعَ مَحْرَمٍ، فَقَالَتْ: مَا كُلُّهُنَّ مِنْ ذَوَاتِ مَحْرَمٍ (١).

وأما دليلهم من المعقول، فإنه إذا كانت العلة من سفر المرأة بغير مَحْرَم- هي الخوف على المرأة من تعرضها للفتن، فمع وجود الرفقة الأمنة يَجوز لها السفر بغير مَحْرَم؛ لأن المقصود هو صيانة المرأة، وذلك متحقق بأمن الطريق ووجود الثقات من النساء.

القول الثالث: أنه لا يُشترَط المَحْرَم ولا الرفقة الآمنة، ويَجوز للمرأة أن تَخرج للحج وحدها إذا أَمِنَتِ الفتنة؛ لحديث عَدي. وهو قول عند الشافعية، والظاهرية وابن تيمية (٢).

والراجح: عدم جواز سفر المرأة لحج الفريضة بغير مَحْرَم؛ لعموم نهي النبي عن سفر المرأة دون مَحْرَم. وصح أن رجلًا قال: يَا رَسُولَ اللهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً. قَالَ: «اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» فالرَّجُل وجب عليه الجهاد، ولا يأمره النبي بترك الواجب إلا بفعل واجب أعظم منه، وهو السفر مع امرأته ليحج معها.

أما مَنْ قال بأنه يَجوز سفر المرأة في حج الفريضة بغير مَحْرَم إذا وَجَدَتْ رفقة مأمونة، فهذا القول له وجهته أيضًا. واستدلوا بأن المرأة مع انتشار الأمن تسافر من الحِيرة إلى مكة بغير مَحْرَم، ولا تَخاف أحدًا إلا الله، وقد أنبأ رسول الله أن هذا سيَحدث، ولو كان حرامًا لبَيَّنه؛ إذ لا يَجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. ولأن عُمَرَ أَذِنَ لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ.

وإذا كان المقصود هو صيانة المرأة، فذلك متحقق بوجود الثقات من النساء.

والذي يَظهر: أن منع سفر المرأة بلا مَحْرَم هو مما حُرِّم سدًّا للذريعة، والقاعدة فيما حُرِّم سدًّا للذريعة أنه يباح للحاجة والمصلحة الراجحة.

قال مالك: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ يَخْرُجُ مَعَهَا، أَوْ كَانَ لَهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا- أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَيْهَا فِي الْحَجِّ، وَلْتَخْرُجْ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النِّسَاءِ (٣).

وقال ابن تيمية: سفر المرأة مع ذي مَحْرَم منهي عنه، ويَجوز لرجحان المصلحة،


(١) إسناده صحيح: أخرجه البيهقي (١٠٢٢٧) من طرق عن يونس، عن الزُّهْري، عن عَمْرة، به.
(٢) «المجموع» (٨/ ٣٤٣)، و «المُحَلَّى» (٧/ ٥٠)، و «اختيارات ابن تيمية» للبعلي (ص: ١١٥).
(٣) «موطأ مالك» (١/ ٥٦٩).

<<  <   >  >>