للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهناك شروط أخرى، كأمن الطريق وقضاء الدَّين، وهي مُجْمَع عليها وليست في الحديث.

وأما السُّنة، فما رواه البخاري: عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَشَكَا إِلَيْهِ الفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ، فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ، هَلْ رَأَيْتَ الحِيرَةَ؟» قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: «فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ، لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللهَ» (١).

وَجْه الدلالة: أن خروج الظعينة- أي: المرأة في الهودج- مع امتداد الإسلام وانتشار الأمن، من عدم تعرض الفساق لها أثناء سفرها، فخروج المرأة في السفر على هذا الوجه جائز، ولو كان حرامًا لبَيَّنه النبي لأمته؛ لأنه لا يَجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

ونوقش بأن الحديث جاء لبيان الواقع مع انتشار الأمن، لا لبيان حِل خروج المرأة دون مَحْرَم، وقد أَخْبَر النبي عن كَذابِين ودَجالِين يَخرجون، ولا قائل بجوازه.

وأجيب بأن حديث عَدي جاء على صفة المدح، فهذا يدل على الجواز، بخلاف غيره مما جاء على صفة الذم.

وأما دليلهم من المأثور، فروى البخاري: عَنْ عُمَرَ أنه أَذِنَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ (٢).

فدل هذا على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات، وقد اتَّفَق على هذا عمر وعثمان وابن عوف، ونساء النبي على ذلك، وعدم نكير غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك.

ونوقش هذا الاستدلال بأن المَحْرَم مَنْ تَحْرُم عليه المرأة على التأبيد، وأمهات المؤمنين يَحرمن تأبيدًا على جميع المؤمنين؛ إذ جميع المؤمنين أبناء لهن.

وأجيب عنه بأن زوجات النبي في مقام أمهات المؤمنين في تحريم النكاح، وليس في المَحْرَمية، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣].

وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ يُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مَوْلَيَاتٌ لَهُ، لَيْسَ مَعَهُنَّ مَحْرَم (٣).


(١) البخاري (٣٥٩٥).
(٢) أخرجه البخاري (١٨٦٠).
(٣) إسناده صحيح: أخرجه سعيد بن منصور كما في «المُحَلَّى» (٧/ ٤٨).

<<  <   >  >>