للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بالكتاب والسُّنة:

أما الكتاب، فعموم قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] والمراد بالإتمام في الآية ابتداء فعلها على الوجه الأكمل، ومقتضى الأمر الوجوب، وعَطْف العمرة على الحج يقتضي التساوي بينهما، فدل ذلك على وجوب العمرة.

ونوقش بأن المراد بالإتمام هو الإتمام بعد الشروع، كَمَنْ دخل في صلاة نافلة فوجب عليه إتمامها، ولا يعني ذلك وجوب صلاة النافلة.

وأما السُّنة، فاستدلوا بأدلة كثيرة، من أشهرها:

عن عمر في حديث جبريل: فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا الإِسْلَامُ؟ قَالَ: «الإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ، … وَتَحُجَّ البَيْتَ وَتَعْتَمِرَ» (١).

وَجْه الدلالة: أن النبي جَعَل العمرة من أركان الإسلام، كالحج.

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» (٢).

فلفظة (عَلَيْهِنَّ) ظاهرها وجوب الحج والعمرة.


(١) صحيح دون لفظة: (وَتَعْتَمِرَ) فهي شاذة: رواه ابن خُزيمة (٣٠٦٥) من طريق سليمان التيمي، عن يحيى بن يَعْمَر، عن ابن عمر، عن عمر، به.
قال ابن حِبان (١٧٣): تَفَرَّدَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ بِقَوْلِهِ: (وتَعْتَمِرُ). وقال ابن العربي: وأما حديث جبريل فقد رواه العَالَم وليس فيه: (وتَعتمر) فلا تُقْبَل هذه الزيادة. «القبس» (ص: ٥٤١). وقال الدارقطني: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ صَاحِبُ «التَّنْقِيحِ»: الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» لَيْسَ فِيهِمَا: (وَتَعْتَمِرُ) وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِيهَا شُذُوذٌ. «نَصْب الراية» (٣/ ١٤٧). وقال الزرقاني: وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ … » فَذِكْرُ الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ، وَزِيَادَتُهَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ. «شرح الموطأ» (٢/ ٤٠٥).
وقال ابن التركماني: والمشهور من الحديث ذِكر الحج وحده دون العمرة، وهو المُوافِق للأحاديث المشهورة، كحديث «بُنِيَ الْإِسْلَامُ … » وغيره.
(٢) صحيح دون لفظة: (العمرة) فهي شاذة: ومدار الحديث على حبيب بن أبي عَمْرة، عن عائشة بنت طلحة، به. واختُلف عنه: فرواه محمد بن فُضَيْل، فزاد (والعمرة) أخرجه ابن ماجه (٢٩٠١).
وخالف ابنَ فُضيل جماعةٌ من أصحاب حبيب، فذكروه بسياق آخَر ولم يَذكروا العمرة فيه، وهم: عبد الواحد بن زياد، وخالد بن عبد الله الواسطي، كلاهما عند البخاري (٧٨٤، ١٥٢٠، ١٨٦١). وجرير بن عبد الحميد عند النَّسَائي (٢٦٢٨). ويزيد بن عطاء عند أحمد (٢٤٤٢٢).
فتَفرُّد ابن فُضيل بزيادة لفظة (والعمرة) شاذة لمخالفته للثقات من أصحاب حبيب، الذين رووه بدونها.
ومما يدل على شذوذ هذه الزيادة ما روته عائشة بنت طلحة، به، عند البخاري (٢٨٧٥) بدونها.
وكذا روته عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة عند الطبراني (١٣٢٣) بدون لفظة (والعمرة).
وقد أَعَل الزيادة ابن عبد الهادي والزيلعي في «تنقيح التحقيق» (٣/ ٤٢٥)، و «نَصْب الراية» (٣/ ١٤٨).
وقد وردت هذه اللفظة من طرق أخرى عن عائشة، ولكنها لا تصح. روى أحمد (٢٤٤٦٣) عن عِمران بن حِطَّان، عن عائشة، وفي سماعه منها اختلاف، مرفوعًا: «الحج والعمرة هما جهاد النساء».
ورواه أبو نُعيم في «الحِلية» (٨/ ٣٥٧) من طريق آخَر فيه عمرو بن عُبيد، وهو متروك الحديث.

<<  <   >  >>