للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بالكتاب والسُّنة:

أما الكتاب، فقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧].

وَجْه الدلالة: أن الله ذَكَر وجوب الحج، ولو كانت العمرة واجبة لذَكَرها الله في كتابه.

وأما السُّنة، فاستدلوا بحديث أنس بن مالك، وفيه: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. قَالَ: «صَدَقَ» قَالَ: ثُمَّ وَلَّى. قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ. فَقَالَ النَّبِيُّ : «لَئِنْ صَدَقَ، لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ» (١).

قوله: (لا أَزيد عليهن ولا أَنقص منهن) دل ذلك على أن العمرة غير واجبة.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْعُمْرَةِ: أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ» (٢).

وَعَنْ طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: «الْحَجُّ جِهَادٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» (٣).


(١) أخرجه مسلم (١٢).
(٢) ضعيف، وله عن جابر ثلاثة طرق، وهي:
الطريق الأول: طريق الحَجَّاج بن أَرْطَاةَ، عن ابن المنكدر، عن جابر، مرفوعًا، عند أحمد (١٤٣٩٧).
الطريق الثاني: طريق أبي عِصمة- وهو كذاب- عن ابن المنكدر، عند ابن عَدي (١٧١٧٩) قال: وهذا يُعْرَف بحَجَّاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر، وأبو عِصمة قد رواه عن ابن المنكدر، ولعله سرقه منه.
الطريق الثالث: طريق سعيد بن عُفَيْر، عن يحيى بن أيوب، عن عُبَيْد الله بن المُغِيرة، عن أبي الزبير، عن جابر. أخرجه ابن أبي داود في «المصاحف» (ص: ٢٥١)، والطبراني في «الأوسط» (٦٥٧٢).
وهذا الطريق منكر؛ لأن المشهور أن هذا حديث الحَجَّاج بن أرطاة؛ ولذا عَقَّب الطبراني بقوله: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ إِلَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ.
قال الذهبي: هذا غريب عجيب، تَفَرَّد به سعيد عن يحيى بن أيوب. «ميزان الاعتدال» (٤/ ٣٦٣).
فالحاصل: أن هذا حديث الحَجاج بن أرطاة، تَفَرَّد به وفيه ضعف، قاله ابن عبد البر في «التمهيد» (٢٠/ ١٤) والنَّحَّاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص: ١٣٢)، وابن مفلح في «الفروع» (٣/ ١٥٣).
وقد استَنكر جماعة من الأئمة تصحيح الترمذي لهذا الحديث؛ ولذا قال ابن عبد الهادي: وقد أُنْكِرَ عليه تصحيح هذا الحديث، وقد ضَعَّفه الإمام أحمد في رواية ابن هانئ عنه. «تنقيح التحقيق» (٣/ ٤٣٠).
(٣) إسناده ضعيف جدًّا: رواه ابن ماجه (٢٩٨٩)، وقد تفرد به عمر بن قيس المكي، وهو متروك.
وقد سُئل أبو حاتم عن هذا الحديث، فقال: حديث باطل، كما في «العلل» (٨٥٠).
وقد رُوي هذا الحديث من طريقين آخَرين، وهما:
الأول: عَنْ أَبِي صَالِحٍ الحَنَفِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «الحَجُّ جِهَادٌ، وَالعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» أخرجه الشافعي في «الأُم» (٢/ ١٨٧)، وفي «المسند» (٧٣٧).
وهذا ضعيف لإرساله، وقد لَخَّص البيهقي القول فقال: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ … فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ، لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَرُوِيَ مِنْ أَوْجُهِ أُخَرَ ضَعِيفَةٍ مَوْصُولًا. «السُّنن الصغير» (٢/ ١٤٣).
وله شاهد عن ابن عباس عند الطبراني (١٢٢٥٢)، وفي إسناده محمد بن الفضل، وهو كذاب.
وقد تبين من ذلك أن كل ما رُوي مرفوعًا: «الحج جهاد، والعمرة تطوع» لا يصح.
وقال ابن حجر بعد ذكر طرقه: ولا يصح من ذلك شيء. «التلخيص الحبير» (٢/ ٢٤١).
وقال ابن عبد البر: ورُوي عنه أنه قال: «العمرة تطوع» بأسانيد لا تصح، ولا تقوم بمثلها حجة. «التمهيد» (٢٠/ ١٤). وقال ابن كَثير بعد ذكر حديث طلحة، وبيان ضعفه: وقد رُوي نحو هذا الحديث من طرقٍ كلها ضعيفة. «إرشاد الفقيه» (١/ ٣٠٢).

<<  <   >  >>