للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بما رُوي عن الصُّبَيّ بن مَعْبَد قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي كُنْتُ رَجُلًا أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا، وَإِنِّي أَسْلَمْتُ، وَأَنَا حَرِيصٌ عَلَى الْجِهَادِ، وَإِنِّي وَجَدْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ، فَأَتَيْتُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَقَالَ لِي: (اجْمَعْهُمَا وَاذْبَحْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ) وَإِنِّي أَهْلَلْتُ بِهِمَا مَعًا. فَقَالَ لِي عُمَرُ : هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ (١).

وقوله: (مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ) يدل على أن العمرة واجبة. ونوقش بأن هذه اللفظة شاذة.

القول الآخَر: أن العمرة سُنة. وهو مذهب الحنفية والمالكية، وقول للشافعية، ورواية عن أحمد (٢).


(١) فقرة (وإني وَجَدْتُ الحج والعمرة مكتوبين عليّ) شاذة:
مدار هذا الحديث على أبي وائل، عن الصُّبَيّ بن مَعْبَد، واختُلف عنه، ويرويه منصور بن المُعتمِر واختُلف عنه: فرواه جرير بن عبد الحميد: «إني وَجَدْتُ الحج والعمرة مكتوبين عليّ».
وخالف جريرًا الثقاتُ عن منصور بن المُعتمِر، فلم يذكروها، منهم: الثوري عند أحمد (٢٥٦)، وشُعبة عند الطيالسي (٥٨)، وزائدة بن قُدامة عند النَّسَائي (٢٧٢٠)، وشَريك عند الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٣٦٧٥) أربعتهم عن منصور، وقالوا في حديثهم: «فأتيتُ رجلًا من قومي فسألتُه، فأَمَرني بالحج، فقرنتُ بين الحج والعمرة» أو بنحوه.
ورواه جماعة من الثقات عن أبي وائل دون قوله: «وإني وَجَدْتُ الحج والعمرة مكتوبين عليّ» منهم: مجاهد بن جَبْر، عند النَّسَائي (٢٧٢١). والحَكَم بن عُتيبة، وسَيَّار أبو الحَكَم، والأعمش، ثلاثتهم عند أحمد (٨٣، ٢٢٧، ٢٥٤). وعَبْدة بن أبي لُبابة، عند ابن ماجه (٢٩٧٠). وأبو معاوية، عند ابن أبي شيبة (١٤٢٩١)، وسَلَمة بن كُهَيْل وعاصم بن بَهْدَلة، عند الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٣٦٧٧، ٣٦٧٨)، وغيرهم. جميعًا: عن أبي وائل شقيق بن سلمة، وقالوا في حديثهم: «فأهللتُ بالحج والعمرة» أو بنحوه، وليس في حديث أحد منهم هذه الزيادة.
وقد رواه جماعة من التابعين عن الصُّبَيّ دون هذه الزيادة، منهم: عمرو بن مُرَّة وعامر الشَّعْبي، كلاهما عند الطبراني في «الأوسط» (٨٢٦٠، ٩٤١٣)، وإبراهيم النَّخَعي، عند أبي حنيفة في «مسنده» (٩٢٦، ٩٢٧، ٩٢٨، ٩٢٩)، ثلاثتهم: عن الصُّبَيّ بن مَعْبَد، ولم يَذكر أحد منهم لفظة: «وإني وَجَدْتُ الحج والعمرة مكتوبين عليّ» إلا جرير بن عبد الحميد الضَّبِّيّ، وهو وإن كان ثقة صحيح الكتاب، إلا أنه خالف مَنْ هو أوثق منه عن منصور وسائر الرواة عن أبي وائل، وسائر الرواة من التابعين عن الصُّبَيّ، ولعله حَدَّث بها من حفظه؛ فقد قيل: كان في آخر عمره يَهِم في حفظه.
(٢) «فتح القدير» (٣/ ١٣٩)، و «الفواكه الدواني» (١/ ٤٣٧)، و «المجموع» (٧/ ٧)، و «الفروع» (٣/ ٢٠٤).

<<  <   >  >>