(فاكفني) في خدمة أمنا وفي سياسة صرمتنا أي كن قائمًا مقامي فيهما وكافيًا عنّي في حاجتهما فقلت له لا بأس فاذهب في حاجتك ولا تتأخَّر عنّي (فانطلق أُنيس) أي ذهب من عندنا (حتى أتى مكة فراث) أي أخر الرجوع (عليّ) فتأخر في مكة (ثم جاء) من مكة ورجع إليّ (فقلت) له (ما صنعت) وفعلت يا أنيس في مكة أي لأيّ صنع وشغل تأخرت عني (قال) أنيس (لقيت رجلًا) من قريش (بمكة) كان (على) مثل (دينك) من توحيد الله تعالى ورفض الأصنام كلها وهذا اللفظ يؤيد ما سبق من رواية الواقدي أن أبا ذر كان موحدًا حتى في الجاهلية (يزعم) أي يقول ذلك الرجل (أن الله) سبحانه (أرسله) وبعثه إلى الناس بالتوحيد وترك الإشراك قال أبو ذر فـ (ـقلت) لأخي أنيس (فما يقول الناس) في شأنه أيقبلونه فيما يدعيه أم ينكرونه (قال) لي أنيس (يقولون) أي يقول الناس في شأنه هو (شاعر) فيما يقولُه (كاهن) فيما يخبره من الغيب (ساحر) فيما يفعله من الخوارق للعادة قال أبو ذر (وكان) أخي (أنيس أحد الشعراء) في العرب قال أبو ذر فقلت لأنيس فماذا تقول أنت فيه (قال أنيس) والله (لقد سمعت قول الكهنة) جمع كاهن والكاهن من يخبر عن المغيبات المستقبلة ككثرة المطر وقلته في السنة المستقبلة ووقوع الآفات مثلًا (فما هو) أي فما كلامه موافقًا (بقولهم) أي بقول الكهنة (ولقد وضعت) أي عرضت ووازنت (قوله) أي قول ذلك الرجل وكلامه (على أقراء الشعر) العربي وأوزانه وأجزائه وتفاعيله كتفاعيل الطويل والبسيط والخفيف (فما يلتئم) وينطبق ويوافق كلامه ما جرى (على لسان أحد) ممن كان قبلي أو كان (بعدي) وعرف بـ (ـأنه شعر) أي ما يوازن كلامه يعني القرآن ما عرف بأنه شعر من كلام الأولين والمتأخرين.
وقوله "على أقراء الشعر" الأقراء جمع القرء بفتح القاف وسكون الراء وهو في اللغة القافية وأقراء الشعر أنواعه وأنحاؤه كما في القاموس كالطويل والمديد والخفيف والمراد أني قارنت وقابلت بين قوله وبين أنواع الشعر وبحوره "فما يلتئم" ويصدق أنه