ظاهرها أَرَقَّ التراب، فإذا رابه ريب دفع التراب برأسه فخرج، فظاهر جحره تراب، وباطنه حُفر، وكذلك المنافق ظاهره الإيمان، وباطنه الكفر اهـ.
قال القرطبي: وظاهر هذا الحديث أن من كانت هذه الخصال الثلاث فيه خرج عن الإيمان وصار في النفاق الذي هو الكفر، الذي قال فيه مالك: النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزندقة عندنا اليوم، وليس الأمر على مقتضى هذا الظاهر لما تقدم في أول الكتاب وأعدناه في الباب الذي قبل هذا.
ولما استحال حمل هذا الحديث على ظاهره على مذهب أهل السنة، اختلف العلماء فيه على أقوال:
أحدها: أن هذا النفاق هو نفاق العمل الذي سأل عنه عمرُ حذيفةَ، لما قال له: هل تعلم فيَّ شيئًا من النفاق؟ أي من صفات المنافقين الفعلية، ووجه هذا أن من كانت فيه هذه الخصال المذكورة كان ساترًا لها ومُظهرًا لنقائضها، فصدق عليه اسم المنافق.
وثانيها: أنه محمول على من غلبت عليه هذه الخصال واتخذها عادة، ولم يبال بها تهاونًا بها واستخفافًا بأمرها، فأيُّ من كان هكذا كان فاسد الاعتقاد غالبًا فيكون منافقًا خالصًا.
وثالثها: أن تلك الخصال كانت علامة المنافقين في زمانه، فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا متجنبين لتلك الخصال، بحيث لا تقع منهم، ولا تعرف فيما بينهم، وبهذا قال ابن عباس وابن عمر، وروي عنهما في ذلك حديث، وهو أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا له ما أهمهما من هذا الحديث، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لكم وما لهن، إنما خصصت بهن المنافقين، أما قولي "إذا حدث كذب" فذلك فيما أنزل الله عليّ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} الآية أفأنتم كذلك؟ قلنا: لا، قال: لا عليكم من ذلك، وأما قولي "إذا وعد أخلف" وذلك فيما أنزل الله علي {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} الآيات الثلاث أفأنتم كذلك؟ قلنا: لا قال: لا عليكم، أنتم من ذلك بُرَآء، وأما قولي:"إذا اؤتمن خان" وذلك فيما أنزل الله عليَّ {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية، فكل إنسان مؤتمن على دينه، فالمؤمن يغتسل من الجنابة في السر والعلانية، ويصوم ويصلي في السر والعلانية، والمنافق لا يفعل ذلك إلا في العلانية أفأنتم كذلك؟ قلنا: لا، قال: لا عليكم، أنتم من ذلك