مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم: ٢٩]، المهد حجر أمه والمهد أصله مصدر مهدت الشيء أمهده إذا سويته وعدلته أي لم يتكلم في زمن تعهده في المهد والسرير (إلا ثلاثة عيسى بن مريم وصاحب جريج) يعني بابوس وظاهر هذا الحصر يقتضي أن لا يوجد صغير تكلم في المهد إلا هؤلاء الثلاثة وهم عيسى وصبي جريج والصبي المتعوذ من الجبار وقد جاء من حديث صهيب المذكور في تفسير سورة البروج في قصة الأخدود أن امرأة جيء بها لتلقى في النار على إيمانها ومعها صبي لها في غير كتاب مسلم زيادة يرضع فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أم اصبري فإنك على الحق رواه مسلم [٣٠٠٥] والترمذي [٣٣٣٧] وقال ابن عباس رضي الله عنهما إن شاهد يوسف كان صبيًّا في المهد وقال الضحاك تكلم في المهد ستة شاهد يوسف وصبي ماشطة امرأة فرعون وعيسى ويحيى وصاحب جريج وصاحب الأخدود.
"قلت " فأسقط الضحاك صبي الجبار وذكر مكانه يحيى وعلى هذا فيكون المتكلمون في المهد سبعة فبطل الحصر بالثلاثة المذكورين في الحديث.
"قلت" ويجاب عن ذلك بأن الثلاثة المذكورين في الحديث هم الذين صح أنهم تكلموا في المهد ولم يختلف فيهم فيما علمت واختلف فيمن عداهم فقيل إنهم كانوا كبارًا بحيث يتكلمون ويعقلون وليس فيهم أصح من حديث صاحب الأخدود ولم تسلم صحة الجميع فيرتفع الإشكال بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما كان في علمه مما أُوحي إليه في تلك الحال ثم بعد هذا أعلمه الله تعالى بأشياء من ذلك فأخبرنا بذلك على ما في علمه والله أعلم اهـ من المفهم.
(وكان جريج رجلًا عابدًا فاتخذ صومعة) ليتعبد فيها (فكان فيها) أي في تلك الصومعة (فأتته أمه) لم أر من ذكر اسمها (وهو) أي والحال أنه (يصلي فقالت يا جريج فقال يا رب) اجتمع عليَّ إجابة (أمي و) إتمام (صلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت) أمه غضبى (فلما كان من الغد أتته وهو يصلّي فقالت يا جريج فقال يا رب أمّي وصلاتي فأقبل على صلاته) وترك إجابتها (فانصرفت) غضبى (فلما كان من الغد) من اليوم الثاني