قالاه "فعلى الأول" خبر لما الموصولة ودخلت الفاء على الخبر لما تضمنه الاسم الموصول من معنى الشرط نحو قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل: ٥٣]، وما وخبرها خبر المبتدإ الأول الذي هو المستبّان ومعنى الكلام أن المبتدئ بالسبّ هو المختص بإثم السبّ لأنه ظالم به إذ هو مبتدئ من غير سبب ولا استحقاق والثاني منتصر فلا إثم عليه ولا جناح لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)} [الشورى: ٤١]، لكن السب المنتصر به وإن كان مباحًا للمنتصر فعليه إثم من حيث هو سبّ لكنه عائد إلى الجاني الأول لأنه هو الذي أحوج المنتصر إليه وتسبب فيه فيرجع إثمه عليه ويسلم المنتصر من الإثم لأن الشرع قد رفع عنه الإثم والمؤاخذة لكن ما لم يكن من المنتصر عدوان إلى ما لا يجوز له كما قال "ما لم يعتد المظلوم" أي ما لم يجاوز ما سُبَّ به إلى غيره إما بزيادة سبّ آخر أو بتكرار مثل ذلك السب وذلك أن المباح في الانتصار أن يرد مثل ما قال الجاني أو يقاربه لأنه قصاص فلو قال له يا كلب مثلًا فالانتصار أن يرد عليه بقوله بل أنت الكلب فلو كرَّر هذا اللفظ مرتين أو ثلاثًا لكان معتديًا بالزائد على الواحدة فله الأول وعليه إثم الثانية وكذلك لو ردّ عليه بأفحش من الأول فيقول له خنزير مثلًا كان كل واحد منهما مأثومًا لأن كلًّا منهما جان على الآخر وهذا كله مقتضى قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ}[البقرة: ١٩٤]، وقوله:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشورى: ٤٠] وكلّ ما ذكرناه من جواز الانتصار إنما هو فيما إذا لم يكن القول كذبًا أو بهتانًا فلا يجوز أن يتكلم بذلك لا ابتداء ولا قصاصًا وكذلك لو كان قذفًا فلو ردَّه لكان كل واحد منهما قاذفًا للآخر. وكذلك لو سبّ المبتدئ أبا المسبوب أو جدّه لم يجز له أن يردّ ذلك لأنه سب لمن لم يجن عليه فيكون الرد عدوانًا لا قصاصًا قال بعض علمائنا إنما يجوز الانتصار فيما إذا كان السب مما يجوز سب المرء به عند التاديب كالأحمق والجاهل والظالم لأن أحدًا لا ينفك عن بعض هذه الصفات إلّا الأنبياء والأولياء فهذا إذا كافأه بسبّه فلا حرج عليه ولا إثم وبقي الإثم على الأول بابتدائه وتعرّضه لذلك اهـ من المفهم.
ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع وهو استحباب التواضع بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: