فَأَتَانَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ. وَمَعَهُ مِخصَرَةٌ. فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ. ثُمَّ قَال:"مَا مِنكُم من أَحَدٍ، مَا من نَفسٍ مَنْفُوسَةٍ، إلا وَقَد كَتَبَ اللهُ مَكَانَهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَإلا وَقَد كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً" قَال: فَقَال رَجَل: يَا رَسُولَ الله، أَفَلا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟
ــ
(فأتانا) أي فجاءنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في بقيع الغرقد (فقعد وقعدنا حوله) صلى الله عليه وسلم أي جوانبه محيطين به لنأخذ منه الحديث (ومعه) صلى الله عليه وسلم أي بيده (مخصرة) بكسر الميم وسكون الخاء بوزن مفعلة وهو قضيب كان يمسكه الإنسان بيده في بعض الأحوال على عادة رؤساء العرب فإنهم يمسكونها ويشيرون بها ويصلون بها كلامهم وجمعها مخاصر والفعل منها تخصر والتخصر أن يمسك الرجل القضيب بيده كانت الملوك تفعله تشير به وتصل به كلامها (فنكس) أي خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وطأطأه إلى الأرض كهيئة المهموم المتفكر في شيء وهو بتخفيف الكاف وتشديدها لغتان فصيحتان يقال نكسه ينكسه فهو ناكس كقتله يقتله فهو قاتل ونكسه ينكسه تنكيسًا (فجعل) أي شرع (ينكت) أي يخطُّ (بمخصرته) أي بقضيبه خطًا يسيرًا مرة بعد مرة وهذا فعل المتفكر المهموم "وينكت" هو بفتح الياء وسكون النون وضم الكاف من باب قتل والنكت بها في الأرض تحريك تراب الأرض بها وهذا فعل المتفكر المعتبر. (ثم) بعد ما قعد ونكت الأرض بمخصرته (قال ما منكم من أحد) أيها الناس و (ما منكم من نفس منفوسة) أي نفس مخلوقة وفي غير رواية منصور إسقاط هذه الجملة لأنها مرادفة لما قبلها (إلا وقد كتب الله) سبحانه (مكانها) أي مقعدها ومنزلها إما (من الجنة و) إما من (النار وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة) فأو للتنويع (قال) علي رضي الله عنه (فقال رجل) من القوم الحاضرين وسيأتي في حديث جابر أنه سراقة بن مالك بن جعشم (يا رسول الله ألا نمكث) ونجلس على حالنا غير عاملين ونتكل (على كتابنا) أي على ما كتب وقدر لنا أزلًا من الجنة والنار (وندع) أي ونترك (العمل) الصالح قال القاضي يعني إذا سبق القضاء بمكان كل نفس من الدارين وما سبق به القضاء فلا بد من وقوعه فأي فائدة في العمل فندعه قال الطبري هذا الذي انقدح في قلب الرجل هي شبهة النافين للقدر وأجاب النبي حتى الله عليه وسلم بما لم يبق معه إشكال وتقرير جوابه أن الله سبحانه غيّب عنا المقادير وجعل الأعمال أدلة على