بإقامة الحجة عليه وظهر عليه بها وأسكته (فقال له) أي لآدم (موسى) في المحاجَّة (أنت آدم الذي أغويت النَّاس) أي كنت سببًا لغواية من غوى منهم وهو سبب بعيد إذ لو لم يقع الأكل من الشجرة لم يقع الإخراج من الجنة ولو لم يقع الإخراج منها ما تسلط عليهم الشهوات والشيطان المسبب عنهما الإغواء والغي ضد الرشد وهو الانهماك في المعاصي ويطلق أيضًا على مجرد الخطأ (وأخرجتهم من الجنة) أي تسببت في خروجهم من الجنة قال القاضي أي أنت السبب في إخراجهم وتعريضهم لإغواء الشيطان ويحتمل أنه لما غوى هو بمعصيته بقوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} وهم ذريته سموا غاوين وأما بالنسبة لآدم فقيل معناه جهل وقيل أخطأ اهـ (فقال) له (آدم أنت) موسى (الذي أعطاه الله) تعالى: (علم كل شيء) من الأحكام المشروعة على لسانه (واصطفاه) الله واختاره (على الناس) أي على عالمي زمانه (برسالته) وبعثته بالتوارة (قال) موسى لآدم (نعم) أنا كذلك (قال) آدم أ (فتلومني) وتعاتبني (على أمر قُدّر) وحكم (على قبل أن أُخلق) والمراد بالتقدير الكتابة في اللوح المحفوظ وفي صحف التوراة وألواحها أي كتبه على قبل خلقي بأربعين سنة ومعنى كلام آدم أنك يا موسى تعلم أن هذا كتب علي قبل أن أخلق وقدر عليَّ فلا بد من وقوعه ولو حرصت أنا والخلائق أجمعون على ردّ مثقال ذرة منه لم نقدر فلم تلومني على ذلك ولأن اللوم على الذنب شرعي لا عقلي وإذا تاب الله تعالى على آدم وغفر له زال عنه اللوم فمن لامه كان محجوجًا بالشرع.
"فإن قيل" فالعاصي منَّا لو قال الآن هذه المعصية قدَّرها الله على قبل أن أُخلق لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقًا فيما قاله "فالجواب، أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها وفي عقوبته ولومه زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر فلم يكن في القول المذكور له فائدة بل فيه إيذاء وتخجيل والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من مرشد ذوي الحجا إلى سنن ابن ماجه.