أن الصبية (يتضاغون) أي يبكون ويصيحون من الجوع ويشتكون منه ويتلفَّفون (عند قدمي) أي عند أسفل رجلي من الضغاء بضم الضاد وبالمد صوت الذلة والدواب، قال الأبي: لا يقال إن نفقة الأبوين كانت في شرعهم آكد من نفقة الولد لأن هذا الشرب ليس حاجيًا إنما هو تكميلي وبكاؤهم إنما هو على عادة الصبيان في البكاء على ما هو دون هذا اه، قال السنوسي: ويدل على أنَّه ليس بتكميل تفسيرهم يتضاغون بالاستغاثة من الجوع اه، ويرد أَيضًا تأويل الأبي ما ورد في بعض روايات البُخَارِيّ في كتاب الأنبياء ولفظه (وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع) فإنَّه يظهر من هذه الرواية أنَّهم ما كانوا يطلبون التفكه فقط وإنما كانوا جائعين والظاهر أن الرَّجل إنما لم يسقهم اللبن معتقدًا بأن أبويه مثلهم في الجوع وهما أولى بالتقديم في السقي وكان يتوقع استيقاظهما في كل لحظة فأخّر سقي صبيته بسبب هذا التوقع لا لأنه كان يريد أن يحرمهم من ذلك، وقال الحافظ: وقد استشكل تركه لأولاده الصغار يبكون من الجوع طول ليلتهما مع قدرته على تسكين جوعهم فقيل: كان في شرعهم تقديم نفقة الأصل على غيرهم، وقيل يحتمل أن بكاءهم ليس من الجوع وقد تقدم ما يرده، وقيل: لعلهم كانوا يطلبون زيادة على سد الرمق وهذا أولى وقد يخطر بالبال أن ما فعله هذا الرَّجل بالصبية كان اجتهادًا منه في تقديم حق الوالدين. والحديث إنما جاء ثناء على نيته الخالصة لوجه الله تعالى وأنه لم يفعل ذلك إلَّا إيثارًا لوالديه على نفسه وأهله ابتغاء لمرضاة الله سبحانه فأثيب على ذلك أما أنَّه كان مصيبًا في هذا الاجتهاد أو مخطئًا فليس في هذا الحديث تعرض لهذه الجهة والله سبحانه وتعالى أعلم (فلم يزل ذلك) القيام فوقهما (دأبي) أي شأني وحالي اللازمة لي (و) لم يزل ذلك أي نومهما وعدم تيقظهما وبكاء الصبية عند قدمي (دأبهم) أي دأب والديّ وصبيتي وشأنهم وحالهم اللازمة لهم (حتَّى طلع الفجر) الصادق وانتهى الليل (فإن كنت) يَا إلهي (تعلم أني فعلت ذلك) القيام على رؤوس والديّ باللبن طول الليل (ابتغاء وجهك) وطلب مرضاتك (فافرج لنا) أي فافتح لنا (منها) أي من انطباق هذه الصخرة (فرجة) أي فتحة (نرى منها) أي من تلك الفتحة (السماء) وضوء الشَّمس فيها