قوله:(إن لو تدومون) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن أي إن الشأن والحال لو تدومون (على ما تكونون) أي على الحالة التي تكونون عليها والحال أنكم (عندي و) أنكم (في الذكر لصافحتكم الملائكة) بأيديهم أيديكم، والحال أنكم مضطجعون (على فرشكم و) ماشون (في طرقكم) وفي جميع أحوالكم (ولكن يَا حنظلة) اجعل (ساعة) لربك (وساعة) لنفسك، قالها أي قال جملة: ولكن .. إلخ (ثلاث مرات) أي كررها ثلاثًا.
وقوله:(لصافحتكم الملائكة على فرشكم) يعني كنتم حينئذٍ أفضل من الملائكة لاستدامة الذكر بالرغم من دواعي النسيان فإن الملائكة وإن كانوا يداومون الذكر ولكنهم بمعزل عن دواعي الغفلة والنسيان، وذكر القرطبي رحمه الله تعالى أن الله سبحانه خلق الإنسان متوسطًا بين الملائكة والشياطين فالملائكة يسبّحون الليل والنهار لا يفترون، والشياطين في شر وإغواء لا يألون في ذلك، أما الإنسان فإن الله تعالى جعله متلونًا فله ساعات يذكر فيها ربه وساعات يقضي فيها حوائجه وإلى هذا أشار صاحب الشرع بقوله ولكن يَا حنظلة .. إلخ. قوله:(ولكن ساعة وساعة) يعني تستحضر الجنة والنار وتذكر ربك ساعة وتشتغل بحوائجك في ساعة أخرى وهذا لا محظور فيه شرعًا ما لم يرتكب المرء معصية.
وداع الحديث على أن كيفية الاستحضار الدائم والاستغراق في ذكر الله تعالى وإن كانت محمودة ولكنها غير مقصودة، والمطلوب أن يباشر الإنسان أعمالًا صالحة ويجتنب عن الحرام. وداع الحديث أَيضًا على أن الالتفات إلى حوائج الإنسان في معاشه ليس من النفاق بل لو توجه إليه بنية أداء الحقوق وتنشيط النفس للأعمال الصالحة صار هذا الالتفات داخلًا في ذكر الله تعالى ولهذا قالوا كل مطيع لله فهو ذاكر.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث التِّرْمِذِيّ في صفة القيامة باب ولكن يَا حنظلة [٢٥١٦].