للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَلَبِثنَا عَلَى ذلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً. فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ. وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ. فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ. وَآتِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَل حَرَّكَ شَفَتَيهِ بِرَدِّ السَّلَامِ، أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ. فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صلَاتِي

ــ

صَلَّى الله عليه وسلم أو يموت فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي عليَّ).

قال السهيلي: وإنما اشتد الغضب على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لأنهم كانوا بايعوا على ذلك ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق:

نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدًا

فكان تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة لأنه كالنكث لبيعتهم اه. وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمنه صلى الله عليه وسلم اه من القسطلاني.

قال كعب: (فلبثنا) أي مكثنا معاشر الثلاثة (على ذلك) الهجران (خمسين ليلة) استنبط منه جواز الهجران أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق ثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيًا (فأما صاحباي) مرارة وهلال (فاستكانا) أي خضعا ولزما الاستكانة في البيوت وصبرا عليه (وقعدا في بيوتهما) حالة كونهما (يبكيان) ليلًا ونهارًا (وأما أنا فكنت أشب القوم) الثلاثة أي أصغرهم سنًا (وأجلدهم) أي أجلد القوم الثلاثة وأقواهم قلبًا (فكنت أخرج) من بيتي (فاشهد) أي أحضر (الصلاة) أي جماعتها في المسجد (وأطوف) أي أتجول وأدور (في الأسواق) في المدينة (و) الحال أنه (لا يكلمني أحد) من المسلمين (وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أحضره (فأسلم عليه وهو) صلى الله عليه وسلم (في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي) أي في قلبي (هل حرَّك شفتيه برد السلام) عليَّ (أم لا) يحركهما وإنما لم يجزم بتحريك شفتيه صلى الله عليه وسلم برد السلام عليه لأنه لم يكن يديم نظره إليه من الخجل (ثم أصلي) النوافل (قريبًا منه) أي في مكان قريب إليه أو حالة كوني قريبًا منه (وأسارقه النظر) بالسين المهملة والقاف أي انظر إليه خفية (فإذا أقبلت) أنا (على صلاتي) أي على الاستقبال فيها ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>