ثم إن المذكور في رواية مسلم هنا أن هذا الكلام وقع بين حذيفة ورجل من أهل العقبة ولكن روايات أحمد والطبراني كلها متفقة على أن ذلك وقع بينه وبين عمار رضي الله عنه. ويمكن الجمع بأن كلًا من حذيفة وعمار كان موجودًا حينئذٍ، ويحتمل أيضًا أنه قد وقع من أحد الرواة اشتباه في تسمية الصحابي فإن قصة العقبة شهدها كل منهما فكان أحدهما يقود ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر يسوقها والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله:(أخبره إذ سألك) إنما قالوا له ذلك لأن الرجل أبى في أول الأمر أن يُخبر بذلك كما ذكرنا عن حديث جابر وكان حذيفة يريد أن يظهر أنه كان من جملة أهل العقبة الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله:(فإن كنت منهم) هذا من كلام حذيفة رضي الله عنه وحُذف من هنا كلمة قال أي قال حذيفة للرجل وهذه الكلمة مصرح بها في روايات أحمد والطبراني. قوله:(وعذر ثلاثة) منهم أي من الخمسة عشر من أهل العقبة لأنهم لم يريدوا شرًا وإنما تبعوا غيرهم بسوء الفهم كما سيأتي. قوله:(ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) الذي نادى بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ العقبة فلا يأخذها أحد كما تقدم من رواية مسند أحمد وكما بيناه في حلنا لمتن مسلم. قوله:(ولا علمنا بما أراد القوم) يعنون أننا تبعنا القوم من حيث لا ندري ما غرضهم.
قال أبو الطفيل:(وقد كان) صلى الله عليه وسلم في مرجعه من تبوك (في حرة) أي في أرض ذات حجارة سود، ويُجمع على حرار، وهذه الجملة معطوفة على جملة قوله:(كان بين رجل من أهل العقبة) وهي من كلام أبي الطفيل فهي قصة أخرى غير قصة العقبة ذكرها أبو الطفيل هنا استطرادًا لأنها تتعلق ببعض المنافقين أيضًا أي وقد كان صلى الله عليه وسلم في حرة ليس فيها ماء فبلغه أن هناك ماءً قليلًا (فمشى) إليه فوجده قليلًا لا يكفي لرجلين (فقال: إن الماء قليل) لا يكفي لنا ويسمى ذلك الماء بالوشل كما سيأتي إن شاء الله موضحًا (فلا يسبقني إليه) أي إلى هذا الماء بالاغتراف منه (أحد) منكم حتى آتيه فأدعو الله عليه (فـ) لما أتى للدعاء عليه (وجد قومًا قد سبقوه) إلى ذلك الماء (فلعنهم) أي فلعن السابقين إليه (يومئذٍ) أي يوم إذ سبقوا إليه في مرجعهم من تبوك. وسند هذا الحديث من خماسياته.