الناس) أي يُجمعون (يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء) أي مائلًا بياضها إلى حمرة، قال الخطابي: العُفْر بضم العين وسكون الفاء بياض ليس بالناصع، وقال عياض: العُفر بياض يُضرب إلى الحمرة قليلًا ومنه سُمي عُفْر الأرض عُفرًا وهو وجهها اه كائنة (كقرصة) أي كخبزة الدقيق (النقي) أي الصافي من الغش والنخال في استوائها وعدم ارتفاعها وانخفاضها، والقرصة بضم القاف وسكون الراء الرغيف وهو الخبز الرقيق يعمل من الدقيق، والنقي بوزن الولي الدقيق الصافي من التبن والنخالة، وتشبيه الأرض بالرغيف من جهة كونه مستويًا ومن جهة كونه أبيض مشربًا بحمرة بعد طبخه على النار كأن النار غيرت بياض وجه هذه الأرض إلى الحمرة (ليس فيها) أي في تلك الأرض (علم) أي علامة (لـ) سكنى (أحد) فيها من بناء وحفريات وحدود وزقاق، قال القاضي عياض: المراد أنها ليس فيها علامة سكنى ولا بناء ولا أثر ولا شيء من العلامات التي يُهتدى بها في الطرقات كالجبل والصخرة البارزة، وقد وقع في رواية البخاري أنْ هذا اللفظ مدرج من بعض الرواة ولفظ البخاري: قال سهل أو غيره ليس فيها معلم لأحد. والمعلم بمعنى العلم، وقال ابن أبي جمرة: وفيه إشارة إلى أن أرض الموقف أكبر من هذه الأرض الموجودة في الدنيا جدًّا، والحكمة في الصفة المذكورة لها أن ذلك اليوم يوم عدل وظهور حق فاقتضت الحكمة أن يكون المحل الذي يقع فيه ذلك طاهرًا عن عمل المعصية والظلم وليكون تجليه سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين على أرض تليق بعظمته ولأن الحكم فيها إنما يكون لله وحده فناسب أن يكون المحل خالصًا لله وحده.
وقد اختلف العلماء في حقيقة أرض الموقف فذهب بعضهم أنها غير هذه الأرض الموجودة واستدلوا بقوله تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} وبعض الروايات التي تؤيد هذا المعنى وحديث الباب يؤيد قولهم، وقال آخرون: أرض الموقف هي هذه الأرض غير أنها تتغير في صفاتها وتمد مد الأديم كما وقع في بعض الروايات، وإن أردت بسط الكلام فيها فلتراجع فتح الباري [١١/ ٣٧٥ و ٣٧٦].
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب يقبض الله الأرض [٦٥٢١].