في الجواب ما ذكره سيبويه من أن العرب يقدمون في الذكر ما هو الأهم عندهم، فلما قال المجيب: وعليكم السَّلام دل على شدة اهتمام المجيب بمخاطبه اهـ.
قال القرطبي:(قوله: فلما خلقه الله قال: اذهب فسلم على أولئك النفر) إلخ، هذا الكلام إلى آخره دليل على تأكد حكم السَّلام فإنَّه مما شرع وكلف به آدم، ثم لم ينسخ في شريعة من الشرائع فإنَّه تعالى أخبره أنَّه تحيته وتحية ذريته من بعده، ثم لم يزل ذلك معمولًا به في الأمم على اختلاف شرائعها إلى أن انتهى ذلك إلى نبينا محمَّد صَلَّى الله عليه وسلم فأمر به وبإفشائه وجعله سببًا للمحبة الدينية ولدخول الجنَّة العلية، وهذا كله يشهد لمن قال بوجوبه، وهو أحد القولين للعلماء، وقد تقدم القول في ذلك اهـ مفهم.
(قوله فلم يزل الخلق ينقص بعده حتَّى الآن) قال الحافظ في الفتح [٦/ ٣٦٧] أي أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة، واستقر على ذلك، وقال ابن التين: أي كما يزيد الشخص شيئًا فشيئًا ولا يتبين ذلك فيما بين الساعتين ولا اليومين حتَّى إذا كثرت الأيَّام تبيّن ذلك فكذلك هذا الحكم في النقص، ثم قال الحافظ: ويشكل على هذا ما يوجد الآن من آثار الأمم السالفة كديار ثمود فإن مساكنهم تدل على أن قاماتهم لم تكن مفرطة الطول على حسب ما يقتضيه التَّرتيب السابق، ولا شك أن عهدهم قديم وأن الزمان الذي بينهم وبين آدم دون الزمان الذي بينهم وبين أول هذه الأمة ولم يظهر لي إلى الآن ما يزيل هذا الإشكال.
وقد حاول بعض العلماء في إزالة هذا الإشكال بذكر بعض الآثار التي وردت في أبناء قوم عاد، والتي تدل على أن قاماتهم كانت مفرطة في الطول، ولكن هذا لا يغني لأنَّ الله سبحانه وتعالى صرح بأن خلقتهم كانت ممتازة عن سائر النَّاس، فقال تعالى:({إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (٨)} [الفجر: ٧ - ٨]) وكذلك ذكر الله تعالى مخاطبًا لقوم عاد (وزادكم في الخلق بسطة) وهذا يدل على أن زيادتهم في الخلق كانت صفة تميزهم عمن سواهم من النَّاس فلا تدل الآيات والآثار المتعلقة بعاد على أن جميع النَّاس في عهدهم كانت قاماتهم مفرطة في الطول فيعود الإشكال، وربما يخطر بالبال جوابًا عن هذا الإشكال أن قوله صَلَّى الله عليه وسلم:(لم يزل ينقص بعده حتَّى الآن) ليس معناه أن قامات النَّاس لم تزل تنتقص في كل قرن، بل المراد أن جسم الإنسان لم يزل ناقصًا بعده، ويؤخذ مما قدمناه عن الكشميري أن ستِّين ذراعًا إنَّما كانت مقدار قامة