للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يكون كامل الإيمان لما يدل عليه حديث المقداد وغيره أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب الأعمال، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: ظاهر الحديث تعميم الناس بذلك ولكن دلت الأحاديث الأخرى على أنه مخصوص بالبعض وهم الأكثر، ويستثنى الأنبياء والشهداء، ومن شاء الله فأشدهم في العرق الكفار، ثم أصحاب الكبائر، ثم من بعدهم، والمسلمون منهم قليل بالنسبة إلى الكفار اهـ فتح الباري [١١/ ٣٩٤].

قال القرطبي: قوله حقويه بفتح الحاء وكسرها مع سكون القاف فيهما تثنية حقو كذلك وهما الخصران اللينان، وقيل هما طرفا الوركين، والأول هو المعروف والعرق هو إنما هو لشدة الضغط وحر الشمس التي على الرؤوس بحيث تغلي منها الهام جمع هامة وهي أم الرأس عظم الدماغ وحرارة الأنفاس وحرارة النار المحدقة بأرض المحشر ولأنها تخرج منها أعناق تلتقط الناس من الموقف نعوذ بالله منها ومن جميع أهوال يوم القيامة آمين.

فترشح رطوبة الأبدان من كل إنسان بحسب عمله ثم يجمع عليه ما يرشح منه بعد أن يغوص عرقهم في الأرض مقدار لسبعين باعا أو ذراعا أو عاما على اختلاف الروايات، فإن قيل فعلى هذا يكون الناس في مثل البحر من العرق فيلزم أن يسبح الكل فيها سبحًا واحدًا فكيف يكونون متفاضلين بعضهم إلى عقبيه، وبعضهم إلى فمه وما بينهما. قلنا يزول هذا الاستبعاد بأوجه أقربها وجهان، أحدهما: أن يخلق الله تعالى ارتفاعًا في الأرض التي تحت قدم كل إنسان بحسب عمله فيرتفع عن الأرض بحسب ارتفاع ما تحته. وثانيهما: أن يحشر الناس جماعات في تفرقة فيحشر كل من يبلغ عرقه إلى كعبيه في جهة، وكل من يبلغ حقويه في جهة، وهكذا والقدرة صالحة لأن تمسك عرق كل إنسان عليه بحسب عمله فلا يتصل بغيره وإن وإن بإزاثه كما قد أمسك جرية البحر لموسى - عليه السلام - حيث طلب لقاء الخضر ولبني إسرائيل حين أتبعهم فرعون والله تعالى أعلم بالواقع من هذه الأوجه. والحاصل أن هذا المقام مقام هائل لا تفي بسهولة عبارات، ولا تحيط به الأوهام ولا الإشارات، وأبلغ ما نطق به الناطقون في ذلك {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في صفة القيامة باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص [٢٤٢١].

<<  <  ج: ص:  >  >>