للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَال: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ. وَأنزَلتُ عَلَيكَ كِتَابًا لَا يَغسِلُهُ الْمَاءُ

ــ

من الفريقين كان يعبد غير الله أو يشرك معه غيره فكان الكل ضلالًا عن الحق خارجين عن مقتضى العقول والشرائع فأبغضهم الله لذلك أشد البغض لكن لم يعاجلهم بالانتقام منهم حتى أعذر إليهم بأن أرسل إليهم رسولًا وأنزل عليهم كتابًا قطعًا لمعاذيرهم وإظهارًا للحجة عليهم، وإنما استثنى البقايا من أهل الكتاب لأنهم كانوا متمسكين بالحق الذي جاءهم به نبيهم، ويعني بذلك والله أعلم من كان في ذلك الزمان متمسكًا بدين المسيح لأن من كفر من اليهود بالمسيح لم يبق على دين موسى ولا متمسكًا بما في التوراة ولا دخل في دين عيسى فلم يبق أحد من اليهود متمسكًا بدين حق ألا من آمن بالمسيح واتبع الحق الذي كان عليه، وأما من لم يؤمن به فلا تنفعه يهوديته ولا تمسكه بها لأنه قد ترك أصلًا عظيمًا مما فيها وهو العهد الذي أخذ عليهم في الإيمان بعيسى - عليه السلام - وكذلك نقول كل نصراني بلغه أمر نبينا وشرعنا فلم يؤمن به لم تنفعه نصرانيته لأنه قد ترك ما أخذ عليه من العهد في شرعه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار "رواه مسلم في كتاب الإيمان [١٥٣] اهـ من المفهم.

(وقال) الله لي عزَّ وجلَّ (إنما بعثتك) إليهم (لأبتليك) أي لأمتحنك بتبليغ الرسالة والصبر على معاناة أهل الجاهلية وإيذاء الكفرة والمشركين لك (و) لـ (أبتلي) أي أمتحن (بك) غيرك هل يصدقونك أو يكذبونك أي فمن آمن بك واتبعك أثبته، ومن كذبك وخالفك انتقمت منه وعاقبته (وأنزلت عليه كتابًا لا يغسله الماء) وهو القرآن، يعني أنه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على ممر الزمان، والمعنى أي كتابًا يسرت تلاوته وحفظه فخف على الألسنة ووعته القلوب فلو غسلت المصاحف لما انغسل من الصدور ولما ذهب من الوجود ويشهد لذلك قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] وقوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)} [القمر: ٣٢] وفي الإسرائيليات أن موسى - عليه السلام - قال: يا رب إني أجد أمة تكون أناجيلها في صدورها فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة محمد "قال الطيبي: والمراد من هذا الكلام أن القرآن الكريم لا يبقى محفوظًا في الصحف والزبر فقط، بل يبقى محفوظًا في صدور المؤمنين فمن أراد محوه من الصحف والزبر والعياذ بالله لم تنعدم نسخه لبقائه في صدور الحفاظ وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وقيل معناه أنه يبقى كتابًا مستمرًا متداولًا

<<  <  ج: ص:  >  >>