بين الناس لا ينسخ ولا ينسى بالكلية وعبر عن إبطال حكمه وترك قراءته والإعراض عنه بغسل أوراقه بالماء على سبيل الاستعارة أو كتابًا واضحا آياته بينا معجزاته لا يبطله جور جائر، ولا يدحضه شبهة مناظر، فمثل الإبطال معنى بالإبطال صورة، وقيل كنى به عن غزارة معناه وكثرة جدواه من قولهم مال فلان لا يفنيه الماء والنار اهـ منه. (تقرأه نائمًا ويقظان) قال الطيبي: أي يصير لك ملكة بحيث يحضر في ذهنك وتلتفت إليه نفسك في أغلب الأحوال فلا تغفل عنه نائمًا ويقظان، وقد يقال للقادر على الشيء الماهر به هو يفعله نائمًا، وقال الشيخ علي القاري: أقول لا احتياج إلى التأويل بالنسبة إلى قلبه الشريف لأنه صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه، وقد شوهد كثير من الناس صغيرًا وكبيرًا أنهم يقرؤون وهم نائمون اهـ. قال القرطبي: وقد شاهدنا المديمين على تكرار القرآن يقرؤون منه الكثير وهم نيام، وذلك قبل استحكام غلبة النوم عليهم (و) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (أن الله أمرني أن أحرق قريشًا) أي أمرني أن أهلكهم أي الكفار منهم، وفي رواية الطبراني في المعجم الكبير [١٧/ ٣٥٩]"وإن الله أمرني أن أغزو قريشًا" ومن طريق معمر عنده أيضًا "إن الله أوحى إلي أن أغزو قريشًا"(فقلت) يا (رب إذا) بالتنوين حرف جواب وجزاء لمحذوف ينصب المضارع بعده أي إن حرقتهم إذًا (يثلنوا) بفتح اللام أي يشدخوا (رأسي) ويشجوه كما يشدخ الخبز ويكسر (فيدعوه) أي فيتركوا رأسي (خبزة) مشدوخة أي مثل خبزة، ومعنى هذا أنه شبه الرأس إذا شدخ بالخبزة إذا شدخت لتثرد. قال القرطبي: قوله: (إن الله أمرني أن أحرق قريشًا) أي أن أغيظهم بما أسمعهم من الحق الذي يخالف أهواءهم وأولم قلوبهم بعيب آلهتهم وتسفيه أحلام آبائهم وقتالهم ومغالبتهم حتى كأني أحرق قلوبهم بالنار ولا يصح أن يحمل ذلك على حقيقته لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصح عنه أنه حرق أحدًا من قريش بالنار، بل قد نهى عن التعذيب بالنار، وقال:"لا يعذب بالنار إلا الله" رواه البخاري وأبو داود والترمذي.
قال القرطبي: وهذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم من نحو ما قاله موسى - عليه السلام - حين أمر بتبليغ الرسالة إلى فرعون فـ {قَال رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ