صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)} [الشعراء: ١٢ - ١٤] فهذا صريح في أنهما خافا غير الله وحينئذ يعارضه قوله تعالى في صفة الرسل: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إلا اللَّهَ} وهذا نص في أن الرسل لا تخشى أحدًا ألا الله وهذا هو المناسب لمعرفتهم بالله وأنه ليس في الوجود فاعل ولا خالق ألا هو وخصوصا لأولي العزم من الرسل وخصوصًا لمحمد وموسى صلى الله وسلم عليهما ويرتفع التعارض من وجهين: أحدهما أن ذلك الخوف كان منهما في بدايتهم قبل تمكنهم وإعلامهم بحميد عواقب أحوالهم وقبل تأمينهم فلما مكنوا وأمنوا لم يخشوا ألا الله ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره يحرس وهو في منزله فلما أنزل الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة: ٦٧] أخرج رأسه إليهم فقال: اذهبوا فقد عصمني ربي" رواه الترمذي [٣٠٤٦]. وثانيهما على تسليم: أن يكون ذلك منهم غير بدايتهم لكن ذلك الخوف هو الذي لا ينفك البشر عن فجأته ووقوع بادرته حتى إذا راجع الإنسان عقله وتدبر أمره اضمحل ذلك الخوف أي اضمحلال وحمل لي من معرفة الله وخشيته ما يستحقر معه رسوخ الجبال والله تعالى أعلم.
(قال) الله لي (استخرجهم) أي أخرج قريشًا من مكة (كما استخرجوك) أي كما أخرجوك منها فالسين والتاء زائدتان كما يقال استجاب بمعنى أجاب وقد رواه العذري: "كما أخرجوك" وهذا يدل على أن هذا القول صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد الهجرة فإن أهل مكة هم الذين أخرجوه من مكة حتى هاجر إلى المدينة اهـ مفهم. وفي هذا إشارة إلى ما وقع من الإعلان يوم البراءة أن كفار جزيرة العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف (واغزهم) أمر من غزا الثلاثي أي اعزم على غزوهم واشرع فيه (نغزك) بضم النون وسكون الجن وكسر الزاي مضارع من أغزى الرباعي مجزوم بالطلب السابق يقال أغزيته إذا جهزته للغزو وهيأت له أسبابه أي واشرع فيه نعنك على غزوهم وننصرك عليهم (وأنفق) أي واصرف ما عندك من المال في سبيل الله والجهاد (فسننفق عليك) أي نخلف لك بدله في الدنيا والآخرة قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ}(وابعث جيشًا) لجهادهم (نبعث خمسة مثله) يعني نبعث