للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال القرطبي: قوله (ثم الجهاد في سبيل الله) ظاهر هذا الحديث أن الجهاد أفضل من سائر الأعمال بعد الإيمان, وظاهر حديث أبي ذر أن الجهاد مساوٍ للإيمان في الفضل حيث قال:

"الإيمان والجهاد"، وظاهر حديث ابن مسعود يُخالفهما لأنه أخر الجهاد عن الصلاة وعن بن الوالدين، حيث قال: "الصلاة ثم بن الوالدين ثم الجهاد"، وتقدم في حديث عبد الله بن عمرو: "أي الإسلام خير؟ قال: تُطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" وفي حديث أبي موسى وعبد الله بن عمرو: "أي المسلمين خير؟ قال من سلم المسلمون من لسانه ويده" وصح في حديث عثمان: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" وأمثال هذا في الصحيح كثير.

ويجاب عنه بأن هذا الاختلاف ليس بتناقض, لأنه إنما اختلفت أجوبته صلى الله عليه وسلم لاختلاف أحوال السائلين، وذلك أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يُجيب كل سائل بالأفضل في حقه، وبالمتأكد في حقه فمن كان متاهلًا للجهاد، وراغبًا فيه، كان الجهاد في حقه أفضل من الصلاة وغيرها، وقد يكون هذا الصالح للجهاد له أبوان يحتاجان إلى قيامه عليهما, ولو تركهما لضاعا، فيكون بن الوالدين في حقه أفضل من الجهاد، كما قد استأذن رجل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال: "أحي والداك" قال: نعم فقال: "ففيهما فجاهد" رواه أَحْمد والبخاري ومسلم والنَّسائيّ من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، وهكذا سائر الأعمال وقد يكون الجهاد في بعض الأوقات أفضل من سائر الأعمال وذلك في وقت استيلاء العدو وغلبته على المسلمين كحال هذا الزمان فلا يخفى على من له أدنى بصيرة أن الجهاد اليوم أوكد الواجبات وأفضل الأعمال لما أصاب المسلمين من قهر الأعداء وكثرة الاستيلاء شرقًا وغربًا جبر الله صدعنا وجدد نصرنا فالجهاد أولى بالتحريض والتقديم من الحج لما في الجهاد من المصلحة العامة للمسلمين مع أنَّه متعين متضيق في هذا الحال بخلاف الحج والله أعلم.

والحاصل من هذا البحث أن تلك الأفضلية تختلف بحسب الأشخاص والأحوال ولا بعد في ذلك فأما تفصيل هذه القواعد من حيث هي فعلى ما تقدم من حديث ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>