الأغيلمة وكان الهلاك الحاصل من هؤلاء لأمته في ذلك العصر إنما سببه أن هؤلاء الأغيلمة لصغر أسنانهم لم يجربوا الأمور ولم يتحافظوا على أمور الدين وإنما تصرفهم على مقتضى غلبة الأهواء وحدَّة الشباب فظهر أن المراد بعض رجال من قريش وهو الأحداث منهم لا كلهم، قال الحافظ في الفتح [١٣/ ١٥] والمراد أنهم يهلكون الناس بسبب طلبهم الملك والقتال لأجله فتفسد أحوال الناس ويكثر الخبط بتوالي الفتن وقد وقع الأمر كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (قالوا) أي قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم (فما) ذا (تأمرنا) به إن أدركنا ذلك الزمن (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو أن الناس) الموجودين في ذلك الزمن (اعتزلوهم) أي لو أن الناس اعتزلوا أولئك الأمراء ولم يخالطوهم لكان خيرًا لهم، إن قلنا إن لو شرطية، فجوابهم محذوف كما قدرناه، والمراد باعتزالهم أن لا يداخلوهم ولا يقاتلوا معهم ويفروا بدينهم من الفتن، ويحتمل أن تكون لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب والمعنى حينئذ ليت الناس اعتزلوهم، وفيه دليل على إقرار أمراء الجور وترك الخروج عليهم والإعراض عن هنات ومفاسد تصدر عنهم، وهذا ما أقاموا الصلاة ولم يصدر منهم كفر بواح عندنا من الله فيه برهان كما مر في كتاب الإمامة، وهؤلاء الأغيلمة كان أبو هريرة رضي الله عنه يعرفهم بأسمائهم وأعيانهم ولذلك كان يقول: لو شئت قلت لكم هم بنو فلان وبنو فلان. لكنه سكت عن تعيينهم مخافة ما يطرأ على ذلك من المفاسد والفتن، وذلك لما أخرجه البخاري عنه في العلم رقم (١٢) أنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. وأخرج ابن أبي شيبة أن أبا هريرة كان يمشي في السوق ويقول: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان، وفي هذا إشارة إلى أن الأغيلمة المذكورين في الحديث يزيد بن معاوية فإنه استخلف فيها، وفي القرطبي: وكأنهم والله تعالى أعلم يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد ومن تنزل منزلتهم من أحداث ملوك بني أمية فقد صدر عنهم قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبيهم وقتل خيار المهاجرين والأنصار بالمدينة وبمكة وغيرهما، وغير خاف ما صدر عن الحجاج وسليمان بن عبد الملك وولده من سفك الدماء وإتلاف الأموال وإهلاك خيار الناس بالحجاز والعراق وغير ذلك.