للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَيسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لا يَمْلِكُ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ،

ــ

كثرة طرقه، وكرر متن الحديث فيها لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى بالزيادة، وفي سوق الحديث (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال: ليس على رجل) أي على أي شخص مسلم (نذر) أي وفاء نذرٍ نذره (فيما لا يملكـ) ـه من المال أو العصمة مطلقًا، أي سواء عمَّم أو خصص لما في وفائه من الحرج، على الخلاف المار فيه (ولعن المؤمن) وكذا المؤمنة (كقتله) في كونه معصية كبيرة إن لم يستحله أو كفرًا مُخرجًا عن الملة إن استحله.

وعبارة المفهم هنا (قوله لعن المؤمن كقتله) أي في الإثم، ووجهه أن من قال لمؤمن لعنه الله فقد تضمن قوله ذلك إبعاده عن رحمة الله تعالى التي رحم بها المسلمين، وإخراجه من جملتهم في أحكام الدنيا والآخرة، ومن كان كذلك فقد صار بمنزلة المفقود عن المسلمين بعد أن كان موجودًا فيهم، إذ لم ينتفع بما انتفع به المسلمون ولا انتفعوا به، فأشبه ذلك قتله، وعلى هذا فيكون إثم اللاعن كإثم القاتل، غير أن القاتل أدخل في الإثم لأنه أفقد المقتول حسًّا ومعنىً واللاعن أفقده معنىً فإثمه أخف منه لكنهما قد اشتركا في مطلق الإثم فصدق عليه أنه مثله والله أعلم اهـ.

قال المازري: قوله (كقتله) أي في الإثم، وقال القاضي: وقيل: في الحرمة، ووجه التشبيه أن القصد باللعن قطعه عن الرحمة، كما يقطعه القتل عن التصرف، وقيل: لأن القصد إخراجه عن المؤمنين فينقص عددهم، كما ينقص عددهم بقتله، وقيل: لأن لعنته تقتضي قطع منافعه الأخروية، فهو كمن قتل في الدنيا اهـ، وقال الأبي: ولا فرق بين أن يقول: لعنه الله، أو في لعنة الله، وكان ابن عرفة يقول: إن اللعن في سياق التأديب لا يتناوله الحديث.

قال السنوسي: يعني لأنه ليس المقصود منه حينئذ الدعاء، وإنما المراد منه إظهار الغضب والمبالغة في الزجر، فهو كقول المتكلم: تربت يمينك، وثكلتك أمك، وقاتله الله ونحوه مما لا يقصد به الدعاء وإنما يقصد به التعجب، أو توكيد الكلام ونحوه، إلا أنه ينبغي للمؤدب أن لا يُعوِّد لسانه قبيح الكلام، ويحترز من مثل ذلك جهده، فإن تأنسه به يجره إلى أن يقصد مدلوله اهـ، قال الأبي: وما يجري على ألسنة العوام من قولهم: نعله الله بتقديم النون ليس بلعن، لأنه من النعال.

<<  <  ج: ص:  >  >>