قال القاضي: والحديث عام في كل متشبعٍ بما لم يعطه من مال أو نسب أو علم أو دين، كل هؤلاء غير مبارك له في دعواه، ومن معنى الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للبركة".
قال الأبي: وما يستعار للتجمل به في الأعراس، ظاهر كلام القاضي أن الحديث يتناوله، والظاهر أن لا لضرورة الحاجة إليه.
وفائدة هذا الحديث الزجر عن الرياء وتعاطيه ولو كان بأمور الدنيا اهـ قرطبي.
وعبارة القاضي هنا: هذا عام في كل دعوى يتشبع بها المرء بما لم يُعطَ من مال يحتال في التجمل به من غيره، أو نسب ينتمي إليه ليس من قبيلته، أو علم يتحلى به ليس من حملته، أو دينٍ يُرائي به ليس من أهله فقد أعلم صلى الله عليه وسلم أنه غير مبارك له في دعواه، ولا زاكٍ ما اكتسبه بها اهـ.
وقوله (ومن حلف على يمين صبرٍ) أي ومن حلف على محلوف عليه يمينًا (فاجرة) كاذبة صبر وأكره عليها عند الحاكم ليقتطع بها مال امرئ مسلم شرطٌ حُذف جوابه، تقديره لقي الله وهو عليه غضبان، أو معطوف على قوله: ومن ادعى دعوى كاذبة، والتقدير أي ومن حلف على يمين صبر فهو مثلُهُ.
وعبارة المفهم هنا (قوله ومن حلف على يمين صبرٍ فاجرة) كذا صحت الرواية في أصل كتاب مسلم لهذا الكلام مقتصرًا على ذكر جملةِ الشرط من غير ذكر جملة الجزاء، فيحتمل أن يسكت عنه لأنه عطفه على من التي قبلها، فكأنه قال ومن حلف يمينًا فاجرة كان كذلك، أي لم يزده الله بها إلا قلة، قاله القاضي عياض.
وقال القرطبي: ويحتمل أن يكون الجزاء محذوفًا تقديره من فعل ذلك غضب الله عليه، أو عاقبه، أو نحو ذلك، كما جاء في الحديث الآخر "من حلف على يمين ليقتطع بها مال مسلم لقي الله وهو عليه غضبان" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، ويمين الصبر هي التي ألزم بها الحالف عند حاكم ونحوه، وأصل الصبر هو: الحبس، كما قال عنترة:
فصبرت عارفة لذلك حرة ... ترسو إذا نفس الجبان تطلع
أي حبست في الحرب نفسًا معتادة لذلك كريمة لا ترضى بالفرار، وقال ثعلب: