(وهاجر معه) أي مع الطفيل بن عمرو (رجل من قومه) أي من قوم الطفيل لم أر من ذكر اسم هذا الرجل (فاجتووا المدينة) أي كرهت طبائعهم هواء المدينة ولم يوافقها، وقوله (فاجتووا المدينة) هو بضم الواو الثانية ضمير جمع، وهو ضمير يعود على الطفيل والرجل المذكور ومن معهما، ومعناه كرهوا المقام بها لضجرٍ ونوع من سقم، قال أبو عبيد والجوهري وغيرهما: اجتويت البلد إذا كرهت المقام به، وإن كنت في نعمة، ويقال: اجتوى المدينة إذا كرهها، واجتويت البلدة إذا كرهتها وإن كانت موافقة لك في بدنك قال الخطابي: أصل الاجتواء استيبال المكان "ومعنى استوبل الأرض لم توافقه في بدنه وإن كان محبًا لها" كراهية المقام فيه لمضرة لحقته، وأصله من الجوى وهو داء يصيب الجوف.
قوله (فاجتووا) هكذا الراوية في أكثر نسخ الشراح والمتون "وهاجر معه رجل فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه" إلخ بضمير الجمع في اجتووا والإفراد في غيره، وفي رواية "وهاجر معه رجال من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص" إلخ، وهاتان الروايتان فيهما تخليط بين الجمع والإفراد وهما غير صواب، والصواب رواية عبد (١) الغافر من رواة مسلم "وهاجر معه رجل من قومه فاجتوى المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له" إلخ بتوحيد رجل وعطف ما بعده على ما قبله بالإفراد على نسق واحد، كذا ذكره القرطبي في المفهم. أي فاجتوى الرجل الذي هاجر معه هواء المدينة وكرهه (فمرض) ذلك الرجل ووعك بحمى يثرب (فجزع) الرجل من ألم مرضه، وفقد الصبر عليه (فأخذ مشاقص له) بفتح الميم والشين المعجمة وبالقاف المكسورة والصاد المهملة على زنة مفاعل وهي جمع مشقص بكسر الميم وسكون الشين وفتح القاف وهو السهم العريض، وقال الداودي: هو السكين، ولا يصح، وقال الخليل وابن فارس وغيرهما: هو سهم فيه نصل عريض، وقال آخرون: سهم طويل ليس بالعريض، وقال الجوهري: المشقص ما طال وعرض، وهذا هو الظاهر هنا لقوله قطع بها براجمه ولا يحصل ذلك إلا بالعريض اهـ نووي.
(١) هو عبد الغافر بن محمد الفارسي، أبو الحسين، ثقة صالح، من رواة صحيح مسلم، توفي سنة (٤٤٨ هـ). اهـ سير أعلام النبلاء.