للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَنْ أَكُونَ مِنْ أهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيَها. فَإِذَا أَنَا مُتُّ، فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنَّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا

ــ

تعالى (أن أكون من أهل الجنة) بسبب توقيره صلى الله عليه وسلم وهذه هي الحالة الثانية من الأحوال الثلاثة، وذكر الثالثة بقوله (ثم) بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (ولينا أشياء) أي أمورًا كثيرة من أمور الدين وأُمِّرنا عليها كولاية القضاء، وإمارة الجيش، وإمامة الصلاة مثلًا، وجملة قوله (ما أدري) ولا أعلم (ما حالي) وشأني (فيها) أي في تلك الأشياء أأصبت فيها أم أخطأت، وهل أثاب عليها أم أعاقب.

(فـ) ـالآن حضر أجلي، وأوصي إليكم، وأقول لكم (إذا أنا متُّ) وجهزت وحملت إلى المقابر (فلا تصحبني) أي فلا تصحب جنازتي ولا تتبعني إلى محل الدفن (نائحة) ونادبة أي رافعة الصوت بالبكاء علي ومعددة الشمائل (ولا) تصحبني (نارٌ) لما فيها من الفأل القبيح؛ بكون آخر ما يصحبه في الدنيا النار، قال القرطبي: إنما أوصى باجتناب هذين الأمرين لأنهما من عمل الجاهلية، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال القاضي: وصى فيهما امتثالًا للنهي عن ذلك، والنهي في النياحة على التحريم، وفي النار على الكراهة، وعلله ابن حبيب بخوف التفاؤل بالمصير إلى النار، وقيل: إنه من فعل الجاهلية؛ كانوا يفعلونه تغاليًا؛ وشُرعت مخالفتهم، وأوصت أسماء بنت أبي بكر أن لا تُتْبَع جنازتها بنارٍ (فإذا دفنتموني) ووضعتموني في اللحد، أي إذا فرغتم من دفني ووضعي في اللحد ونصب اللبن علي (فشنوا) أي صبوا وأهيلوا (عليَّ) أي على حفيرة قبري (التراب) أي تراب قبري (شنًا) أي صبًا لينًا برفق، قال النواوي: (سُنّوا علي التراب سنًّا) ضبطناه بالسين المهملة، وضبطناه (شنوا عليَّ التراب شنًا) بالشين المعجمة، وكذا قال القاضي: أنه بالمعجمة وبالمهملة بمعنى واحد وهو الصب، وقيل بالمهملة الصب في سهولة، وبالمعجمة الصب على التفريق اهـ، وهذه سنة في صب التراب على الميت في القبر قاله القاضي عياض، وقد كره مالك في العتبية (١) الترصيص أي البناء على القبر بالحجارة والطوب.

قال الأبي: سن التراب في القبر صبه فيه دون الحد يمنع من وصوله إلى الكفن فإن


(١) العتبية مسائل في مذهب الإمام مالك منسوبة إلى مصنفها محمد بن أحمد العتبي القرطبي توفي سنة (٢٥٤ هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>