عنى بكونه سنة السنة عرفًا، فلم يرد فيه إلا وصية عمرو هذه وغايتها أنه مذهب صحابي، وقد يريد بالسنِّ أن يصب التراب فوق اللحد لا أن يعقد القبر كله بناء، ويؤيده ما ذكر عن العتبية من كراهية الترصيص: وهو إحكام البناء وطلاؤه، إلا أن يريد بالترصيص رفع البناء فوق القبر وهو بعيد اهـ. وفي العتبية: ولا أكره بناء اللحد باللبن، قال ابن رشد: قال ابن حبيب: أفضل اللحد اللبن ثم الألواح ثم القراميد (أي الآجر) ثم القصب ثم السنُّ (ثم) بعدما شننتم التراب عليَّ (أقيموا) أي امكثوا (حول قبري) أي جانبه (قدر ما) أي قدر زمنٍ (تنحر) وتذكى فيه (جزور) أي إبل، والجَزور بفتح الجيم التي تنحر من الإبل، والجزرة بفتحها وفتح الزاي من غير الإبل، وفي كتاب العين: الجزرة من الضأن والمعز خاصة، وهي مأخوذة من الجزر بفتح الجيم وسكون الزاي، وهو القطع، أي قدر زمنٍ تذكى وتنحر فيه إبلٌ (ويقسم) أي يُجزأ فيه الحمها) لو أريد ذلك، وقوله (حتى أستأنس) علةٌ لقوله أقيموا أي امكثوا والبثوا ودوموا حول قبري لكي أستأنس (بكم) أي بحضوركم حول قبري (وأنظر ماذا أراجع به) أي وحتى انظر الجواب الذي أراجع وأجيب به (رسل ربي) أي سؤال رسل ربي عن ربي ونبيِّي وديني وإمامي، والمراد بالجمع ما فوق الواحد؛ وهما منكر ونكير، وقيل الجمع على بابه لأن معهما غيرهما من الفتان والمفتن كما قيل، وإنما طلب الاستئناس بهم؛ لأنه أثبت له في المراجعة، وأخذ بعضهم منه القراءة على القبر لأنه إذا استأنس بهم فبالقرآن أولى، وفي هذا الحديث حجة على ثبوت سؤال القبر وفتنته، لأنه لا يقوله إلا بتوقيف، وعلى أن الميت يحيا في القبر للسؤال فيسمع ويعلم، ولا يعارضه قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}[النمل: ٨٠]. للاختلاف في معنى الآية، واحتمال تأويلها فقد قيل إنك لا تسمعهم شيئًا ينفعهم، فكذلك هؤلاء على قلوبهم غشاوة، وفي آذانهم وقر الكفر اهـ ابن كثير، ولصحة الآثار في فتنة القبر، أو أن المراد بالآية في غير هذا الوقت.
وهذا الحديث أعني حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن غيره والله أعلم.
قال النواوي: أما أحكام هذا الحديث ففيه عظم موقع الإسلام والهجرة والحج، وأن كل واحد منها يهدم ما كان قبله من المعاصي، وفيه استحباب تنبيه المحتضر على