للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَال جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، وَقَال عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ}

ــ

(و) قد دَلَّ سبحانه أيضًا على وجوب الاتقاء المذكور بمفهوم آيةٍ أُخرى حيث (قال جَلَّ ثناؤُه) وذِكْرُهُ في سورة البقرة: ({مِمَّنْ تَرْضَوْنَ}) لديانتِه وعدالتِه ({مِنَ الشُّهَدَاءِ}).

قال القرطبيُّ: (والظاهرُ من هذا الخطاب: أنه لمن افتتح الكلام معهم في أول الآية في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَينٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}، وهم المخاطَبون بقوله: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}، وبقوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَينِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وعلى هذا الظاهرِ: فكُلُّ مَنْ رَضِيَه المتداينان والمتبايعان فأَشْهدَاهُ .. حَصَلَ به مقتضَى الخطاب، غيرَ أنهما قد يرضيان بمَنْ لا يَرْضَى به الحاكمُ ولا يَسْمَعُ شهادتَه، فلا ينتفعان بالإِشهاد، ولا يحصل به مقصودُ الشرع من الاستيثاق بالشهادة؛ إِذْ لم يَثْبُتْ بما فعلاه عقدٌ، ولا يُحفظ به مال.

ولمَّا كان مقتضَى ظاهر الخطاب ذلك .. قال العلماء: إِنَّ المُخَاطَبَ بذلك الحُكَّام، إِذْ هم الذين يعرفون المَرْضِيَّ شرعًا من غيره، فتَثْبُتُ بمَنْ يَرْضَوْنه العقودُ، وتُحفظُ الأموالُ والدماءُ والأبضاعُ، ويحصل الفصلُ بين الخصوم فيما يتنازعون فيه من الحقوق، وذلك هو مقصودُ الشرعِ من قاعدة الشهادة قطعًا، ولا يحصل ذلك برِضَى غيرِهم، فتَعَيَّنَ الحُكَّامُ لهذا الخطاب الذي هو قوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}.

وإِذا تَقَرَّرَ هذا .. فالذي يرضاه الحاكمُ هو العَدْلُ الذي انتفتْ عنه التُّهَمُ القادحةُ في الشهادة، كالقرابةِ وجَرِّ المنفعةِ لنفسِه أو لولدِه أو لزوجتِه، وكالعداوةِ البيِّنَةِ والصداقةِ المفرطة، على تفصيلِ وخلافٍ يُعْرَفُ في الفقه) اهـ (١)

(و) حيث (قال عَزَّ) أي: اتَّصَفَ بكُلِّ ما يَلِيقُ به من جميع الكمالات (وجَلَّ) أي: تَنَزَّه عن كُلٍّ ما لَا يَلِيقُ به من جميع النقائص، في سورة الطلاق: ({وَأَشْهِدُوا}) أيُّها الأزواجُ على إِمساكِكم إِياهنّ أو فراقِكم لهنّ ({ذَوَي عَدْلٍ}) أي: صاحبَي عدالةٍ كائنَينِ ({مِنْكُمْ}) أيها المؤمنون.


(١) "المفهم" (١/ ١٠٩ - ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>