والفخذ، أي جلسوا جاعلين سوقهم تحت أفخاذهم، مقدمين ركبهم، جلسة المتأدبين عند الأكابر، ولفظ رواية أحمد ثم جثوا على الركب، ثم شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما نزل في هذه الآية (فقالوا) أي فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكايتهم من ذلك (أي رسول الله) أي: حرف نداء لنداء القريب (كلفنا من الأعمال ما نطيق) أي كلفنا الله سبحانه وتعالى وأمرنا قبل نزول هذه الآية بما نطيق ونقدر عليه من الأعمال والطاعات التي هي (الصلاة والصيام والجهاد والصدقة) وقوله (ما نطيق) ما فيه اسم موصول في محل النصب على أنه مفعول ثانٍ لكُلِّف، أو على نزع الخافض كما قدرنا، وقوله (الصلاة) وما بعدها بالنصب على أنه بدل من ما الموصولة، وبالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف كما قدرنا (وقد أنزلت عليك) الآن (هذه الآية) يعني قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} الآية (ولا نطيقها) أي ولا نطيق ولا نقدر تحمل ما فيها من اجتناب هواجس النفس وخطراتها فادع الله لنا أن يسامح لنا ما فيها من المحاسبة على خواطر النفس، ولفظ أحمد "وقد أنزل الله هذه الآية ولا نطيقها".
قال المراغي: إنما قالوا ذلك لأنهم قد دخلوا في الإسلام وكثير منهم تربوا في حجر الجاهلية وانطبعت في نفوسهم أخلاقها، وأثرت في قلوبهم عاداتها، وكانوا يتطهرون منها بالتدريج بهدي الرسول ونور القرآن، فلما نزلت هذه الآية خافوا أن يؤاخذوا على ما كان باقيًا في أنفسهم من العادات الأولى، وكانوا يحاسبون أنفسهم لاعتقادهم النقص، وخوفهم من الله عزّ وجلّ، فأخبرهم الله تعالى بأنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولا يؤاخذها إلا على ما كلفها، وهم مكلفون بتزكية أنفسهم ومجاهدتها بقدر الطاقة، وطلب العفو عما لا طاقة لهم به.
وقد يكون بعضهم خاف أن تدخل الوسوسة والشبهة قبل التمكن من دفعها فيما تشمله الآية، فكان ما بعدها مبينًا لغلطهم في ذلك اهـ.
ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك القول منهم أجابهم بأن (قال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدون) أي هل تريدون وتقصدون بذلك القول -بهمزة