(فدحرجه) أي أسقط ذلك الحصى (على رجله) أي على ظهر قدمه، تمثيلًا وتصويرًا لتدحرج الجمر والحصى على الرجل المذكور في قوله: كجمر دحرجته على رجلك كلام مدرج في الحديث، أدرجه حذيفة رضي الله عنه لزيادة البيان والإيضاح قوله (فيصبح الناس) إلخ خبر معطوف على قوله فتقبض الأمانة، أي فيكون الناس الذين قبضت الأمانة من جذر قلوبهم (يتبايعون) في الصباح أي يتعاقدون عقد البيع والشراء في الصباح بعدما قبضت الأمانة من قلوبهم في نومة الليل يعني في الغفلة الواقعة منهم قبل ذلك حالة كونهم (لا يكاد) أي لا يقارب (أحدٌ) منهم (يؤدي الأمانة) الموضوعة عنده إلى مستحقها فيقل الأمناء فيهم (حتى يقال) من غاية قلة الأمانة في الناس (إن في بني فلان رجلًا أمينًا) أي شخصًا واحدًا يُؤْمن ويؤدي الأمانة لا غير، وتقل فيهم الأمانة التي هي ثمرة الإيمان، وتكثر فيهم الخيانة التي هي ثمرة النفاق ويتمرنون عليها (حتى يقال للرجل) المنافق الخائن منهم، أي حتى يقولوا للمنافق الخائن منهم من أرباب الدنيا، ممن له عقل في تحصيل المال والجاه، وطبع في الشعر والنثر، وفصاحة وبلاغة، وقوة بدنية، وشجاعة وشوكة، تعجبًا منه ومدحًا له (ما أجلده) أي ما أقواه في بدنه و (ما أظرفه) أي ما أحسنه في لسانه وأدبه، والظرف عند العرب في اللسان، والحلاوة في الفم، والملاحة في العين، وقال المبرد: الظريف مأخوذ من الظرف وهو الوعاء كأنه جعل وعاء للآداب، وقال غيره: يقال منه ظرف يظرف ظرفًا فهو ظريف وهم ظرفاء، وإنما يقال في الفتيان والفتيات أهل الخفة و (ما أعقله) أي وما أكمله في عقله، وحاصل قولهم ذلك أنهم يمدحونه بكثرة الجلادة والظرافة والعقل، ويتعجبون منه ولا يمدحون أحدًا بكثرة العلم النافع والعمل الصالح، وقوله (وما في قلبه) أي في قلب ذلك الرجل الممدوح حالٌ من الرجل، أي يمدحونه والحال أنه ما في قلبه (مثقال حبة) أي وزن حبة - واحد الحبوب - (من خردل) حب معروف من الأبازير، و (من) بيانية، أي مثقال حبة هي خردل، وقوله (من إيمان) تمييز لمثقال.
قال العيني: وخلاصة ما ذكرناه أن القلب يخلو عن الأمانة، بأن تزول عنه شيئًا فشيئًا، فإذا زال جزء منها زال نورها، وخلفته ظلمة كالوكت، وإذا زال شيء آخر منها